إبداعات عربيةعاجل

كتاب “العلاقات العربية الروسية”… سياسات موسكو ومحددات طموحاتها في الشرق الأوسط

 

أحمد عبد الحافظ

يدور كتاب “العلاقات العربية الروسية… رؤى استراتيجية وتحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العربية” حول إعادة صياغة روسيا سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية، بما يتناسب مع أولوياتها من جهة ومع المصالح العربية من جهة أخرى، وتباين الأدوار التي قامت بها موسكو في القضية السورية والخلاف المصري الأثيوبي حول سد النهضة، فضلا عن الملف الليبي.
الكتاب صدر حديثا عن مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية. وتضمن مجموعة من الدراسات سعت إلى تقييم علاقات روسيا مع المنطقة العربية؛ واستشراف دورها فيها، وركزت على طرح معالجات وإشكاليات مختلفة لطبيعة العلاقات العربية الروسية الحالية ومآلاتها المستقبلية.
وتناول الباحثون المشاركون في الكتاب محاور مختلفة كالدور الجيوسياسي لروسيا في الشرق الأوسط، والطموحات الروسية تجاه المنطقة العربية الإفريقية، والاستراتيجية الروسية تجاه المنطقة المغاربية، وجيو اقتصاديات النفط والغاز في الاستراتيجية الروسية بليبيا، والدور الروسي في سورية، وكذلك السعي لاستئناف الهيمنة الروسية على المنطقة العربية في ظل تعاظم النفوذ الإيراني؛ ومحددات العلاقات الجيواستراتيجية العربية الروسية.

الدكتور مصطفى الفقي
الدكتور مصطفى الفقي

وفي مقدمة الكتاب قدم الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الاسكندرية رؤيته لأهم القضايا التي تناولها الباحثون، كما عرض السفير الروسي بالقاهرة السفير جيورجي بوريسينكو تقريرا حول محصلة التعاون بين مصر وموسكو لسنة ٢٠٢٠، تناول خلاله الوضع الحالي للعلاقات المصرية الروسية.
وفي دراسة بعنوان “الدور الجيوسياسي لروسيا في الشرق الأوسط.. معطيات جديدة لفاعل قديم” تحدثت الدكتورة مي مجيب أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، عن مفهوم “القوة الحادة”، الذي يسُتخدم في إطار وصف سياسات الاختراق الروسي لكثير من الأقاليم الجغرافية المجاورة، وإقليم الشرق الأوسط؛ وقالت إن روسيا أصبحت تتمتع بعلاقات مركبة مع الكثير من دول الإقليم، تنوعت ما بين أُطر التعاون الاقتصادي، ونُظم التعاقد التسليحي والعسكري، وفضلا عن مسارات الدعم الاستخباراتي المتبادلة.
ولفتت مجيب إلى أن هناك توجهاً روسياً جديداً نحو الشرق الأوسط، يهدف إلى تأمين النمو الاقتصادي المتسارع لموسكو، من أجل تحويلها إلى قوة دولية كبرى، وتوظيف مخرجات هذا التحول لتأمين مصالح الأمن القومي الروسي، وتوسيع دائرة هذه الاستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهو توجه أسهم في إدراك روسيا لفوائد إعادة تفعيل العلاقات التاريخية مع عدد من دول المنطقة وتطويرها مع البعض الآخر.

أهمية منطقة الشرق الأوسط لروسيا

وفي حديثها عن أهمية منطقة الشرق الأوسط لروسيا أشارت مجيب إلى أنها واجهت صعوبة كبيرة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي في صياغة سياسة خارجية تمكنها من استعادة المكانة الدولية التي كان يحظى بها الاتحاد السوفيتي، وبعد نحو عقدين من الزمن، تمكنت من إعادة صياغة سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب أولوياتها، وقد غيرت تمامًا من أسس وملامح السياسات التي كان يتبناها السوفييت؛ حيث اختفت الاعتبارات الأيديولوجية التي كانت نقطة ارتكازهم في العلاقات بين عشرينيات القرن الماضي وتسعينياته وقت أن كانت العوامل الأيديولوجية، وتصدير أفكار الثورة البلشفية، والتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية، تشكل جوهر مصالح موسكو خلال سنوات الحرب الباردة، أما الآن وبعد صعود بوتين وسيطرة حزبه على سدة الحكم فقد أخذت حكومته تتوجه بوتيرة متزايدة نحو المصالح الاقتصادية، بديلًا عن الأيديولوجية والخلفيات السياسية السابقة، وقد شَكَّلت هذه التحولات جوهر السياسة الخارجية الروسية، وتوجهاتها في تعاملها مع البلدان العربية.
من هنا يمكن القول أن السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط، حسب رأي مجيب، تأتي في سياق قوة عالمية تريد أن تمارس دورًا في المنطقة، وتحاول امتلاك مقعد على طاولة المفاوضات والقرارات الرئيسية، ما يعني أن القوة التي ارتبطت تاريخيًّا بالتوسع الروسي ما زالت تُعدّ عنصرًا أساسيًّا من عناصر الثقافة السياسية الروسية في ظل عدم قبولها أن تُصنف كقوة عالمية من الدرجة الثانية، ولهذا سعت روسيا إلى مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، والحصول على جزء من عمليات التجارة، والاضطلاع بدور في الاستقرار الإقليمي.

سياسات غير أيديولوجية

ومع تطور الأحداث، وتعاظم القوة الروسية ونفوذها في المنطقة، ظهرت، كقول مجيب، عناصر إضافية في سياستها تتميز بأنها غير أيديولوجية، استطاعت من خلالها مخاطبة جميع الأطراف في المنطقة؛ وقد أعطاها ذلك مرونة في التعامل مع ملفات عديدة، وميزة تفوقت بها على الغرب، وفق نوع من النفعية البراجماتية ذات الأمد البعيد مع الالتزام بعدد قليل من القيود السياسية التي يلتزم بها الغرب، ما أتاح لها أيضًا مرونة أكبر في التعامل مع القضايا العربية، وجعلها تحقق مكاسب داخلية ترتبط بالتنمية الاقتصادية وتعزيز الاستقرار، ودعم حلفائها ومساندتهم من جهة، والبحث عن حلفاء جدد لخدمة مصالحها القومية من جهة أخرى.
وأشارت مجيب إلى أن الاسترتيجيات التي تحرك السياسة الروسية تنحصر في تخوفها الأمني من انتشار الإرهاب الدولي وتمدده إليها، ورغبتها في المحافظة على الهياكل القائمة حاليًّا في الشرق الأوسط ضد التدخل الخارجي والتمرد الداخلي، حيث ترى أن أي تغيير يجب أن يحدث بالوسائل الدستورية، فضلًا عن أن استقرار المنطقة، من المنظور الروسي، يضمن استقرار حدودها الجنوبية؛ ويساعدها في فك العزلة الدولية التي فُرضت عليها بعد الأزمة الأوكرانية، ويُمكّنها من تقديم أوراق اعتمادها كقوة فاعلة وقادرة على الإسهام في حل الأزمات الأكثر تعقيدًا.
وترتكز العلاقات بين روسيا ودول المنطقة على لغة المصالح، والحد من تسييس الولايات المتحدة الأمريكية للمؤسسات الدولية، وتوظيفها لشرعنة تفاعلاتها السياسية، والاستعداد والتأهب لاستخدام القوة العسكرية المباشرة في حالة تهديد مصالحها المباشرة، والتخوف من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها، وعدم الرغبة في وصول قوى إسلامية أصولية إلى السلطة، وقد بات الحضور الروسي مركزيًّا في أغلب الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وغدت موسكو تحظى بعلاقات متعددة الأوجه مع القوى الرئيسية في الإقليم، مثل مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، وتركيا مع عدم تغيير مواقفها من القضايا العربية الرئيسة حيث ظلت على حالها من الاعتدال، والتوازن، وتأييد الحق العربي والقضية الفلسطينية.

النطاق الجغرافي لسياسة موسكو

وفي دراسة بعنوان “الطموحات الروسية تجاه المنطقة العربية الإفريقية” ركز الدكتور محمود عزت نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية على سعي روسيا المستمر إلى تحقيق عمق استراتيجي يتوازي مع طموحات القوى العظمى والعلاقات غير المستقرة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وقال إن ذلك ترك بصمة مستديمة على سياسة روسيا الخارجية، حيث تمدد النطاق الجغرافي لسياستها الخارجية من خلال الانتشار النشط في أجزاء من العالم، واتجهت إلى تقوية علاقتها بالقارة الإفريقية بعد عقود من الغياب بهدف الخروج من نطاقها الضيق كقوة إقليمية آسيوية أوروبية كبرى.

طموحات روسيا واستراتيجيتها

ومن جانبه ركز الباحث محمد العربي في دراسته “الطموحات الروسية تجاه المنطقة العربية الإفريقية” تدهور الأوضاع في ليبيا وإخفاق المجتمع الدولي في إعادة بناء الدولة في ليبيا، وتركها نهبًا للميليشيات المحلية وعصابات التهريب والجماعات الإرهابية، وقال إن ذلك أسهم في إعادة تأكيد موسكو على رفض التدخل الغربي لتغيير النظم العربية.
وفي بحثها الذي جاء بعنوان “الاستراتيجية الروسية تجاه المنطقة المغاربية” ذكرت الباحث المغربية الدكتورة آمال الحواسني أن روسيا تسعى جاهدة إلى الظهور كقوة فاعلة في المنطقة المغاربية، بعد أن أجرت مراجعات شاملة لمحددات سياستها الخارجية، بإعطاء العامل الجيوبوليتكي أولوية كبرى. وقالت إن الاهتمام والنفوذ الممتد لموسكو في منطقة شمال إفريقيا عامة، والمنطقة المغاربية خاصة يطرح تساؤلات حول طبيعة الاستراتيجية الروسية، وسياساتها تجاه الدول المغاربية.
ولفتت إلى أن الأدوار التي يمكن أن تنهض بها في حل النزاع في ليبيا تنطلق من فرضية مفادها أن روسيا تحاول رسم معالم جديدة لاستراتيجيتها تجاه المنطقة ومنافسة الوجود الأوروبي والأمريكي، وقد سعت لاستقراء ملامح استراتيجيتها الجديدة لا سيما بعد الحراك العربي، والآليات المعتمدة لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة التي تحتل مكانة جيواستراتيجية جعلتها محط تنافس قوى عظمى، وقد شكل الحراك العربي الذي شهدته بعض دول المنطقة خاصة في ليبيا وتونس عاملًا حاسمًا في إعادة صياغة الاستراتيجية الروسية تجاه المنطقة المغاربية، كما خلَّف الانسحاب الأمريكي من المنطقة الذي بدأ في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، واستمر مع إدارة دونالد ترامب فراغًا سهل على روسيا التدخل وترسيخ نفوذها هناك.

 

 

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى