إبداعات عربيةعاجل

“الولايات المتحدة وعملية السلام” .. باحث مصري يحلل الدور الأمريكي من عملية السلام واتفاقية كامب ديفيد

 

حمدي عابدين

لا تزال عملية السلام المصرية الاسرائيلية تشهد اهتمام العديد من الدبلوماسيين والخبراء الاستراتيجيين والباحثين السياسيين في مصر والعالم باسره، وقد صدر الكثير من الدراسات والمؤلفات التي تبحث في شأن اتفاقية كامب ديفيد التي نتجت عن العملية التي انفردت أمريكا برعايتها، كما نشر الدبلوماسيون الذين شاركوا فيها الكثير من الوثائق والمستندات والمذكرات التي كشفت الكثير من أسرار وتفاصيل ما جرى، وفي هذا الإطار يأتي كتاب الباحث المصري الدكتور مينا ملاك عازر الذي صدر حديثا في سلسة تاريخ المصريين بهيئة الكتاب المصرية، ويتناول الدور الأمريكي الذي قاد المفاوضات حتى توقيع الاتفاقية في سبتمبر أيلول 1978، وقد تعامل الباحث مع الوثائق والمذكرات والقرارات الصادرة في ذلك الشأن في مادتها الأولى، وقام بتحليلها بعيدا عن أراء ووجهات نظر من سبقوه فيها، وما قدموه من تحليلات.

محتويات الكتاب

يتضمن الكتاب أربعة فصول وتمهيد، تابع فيها المؤلف الموقف الأمريكي من قرار التقسيم والذي أُعلن بمقتضاه قيام إسرائيل، كما رصد ما رشح عن الإدارة السياسية في واشنطن من قرارات وسياسات ومواقف قبل وأثناء وبعد حرب 67، وما بدا منها من دعم وانحياز لإسرائيل، وصل إلى حد ممارستها نوع من الخداع مع الاتحاد السوفيتي- وهو ما اعترفت به موسكو فيما بعد- لجعلها توافق على إلقاء المسؤولية على مصر عن الحرب بعد قيامها بغلاق المضايق، ومنعها السفن الاسرائيلية من المرور في خليج العقبة، وذكر عازر أن موسكو اضطرت لكشف ما جرى بينها وبين واشنطن بعد أن سحب الأخيرة موافقتها على اتفاقية تفعيل القرار 242.
وتناول المؤلف في الفصل الأول من الكتاب موقف السادات من الاتحاد السوفيتي والخطوات التي قامت بها القاهرة من أجل عودة العلاقات الدبلوماسية معه بشكل كامل، بعد ما شهدته من تراجع بعد طرد الخبراء السوفييت في يوليو تموز 1972، ثم قيام الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء المصري بزيارة لموسكو في العام نفسه بعد أقل من ثلاثة أشهر، واستخدام السادات ذلك كورقة ضغط على واشنطن من أجل تفعيل الدور الأمريكي لتنشيط عملية السلام. كما قام عازر بتحليل تصرفات البيت الأبيض أثناء حرب أكتوبر، والجهود التي بذلتها الدبلوماسية الامريكية لوقف إطلاق النار بعد ذلك بحيث تبقى الأوضاع على ما هي عليه بعد الحرب، وقد كانت حريصة، وهي تؤكد على لسان مسؤوليها في كل لقاء دولي يختص بقضية الشرق الأوسط، أنها لا تملك القدرة على إجبار إسرائيل على العودة لخطوط ما قبل حرب الأيام الستة.
ولفت عازر إلى الرحلات التي قام بها الفريق محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري إلى موسكو في تلك الفترة، وبالتحديد في فبراير شباط عام 1973، أي قبل الحرب بسبعة أشهر، ولقائه وزير الدفاع السوفيتي أندريه جريتشكو، ثم الرئيس ليونيد بريجينيف، وحديث إسماعيل عن ضرورة الانسحاب الاسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة، وتأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتوفير الدعم العسكري والاقتصادي لمصر، كما أشار المؤلف إلى عرض مستشار الأمن القومي أن مصر توافق على حضور اجتماع مصري أمريكي لاستطلاع مدي جدية البيت الأبيض في اتخاذ مواقف أكثر توازنا بين دول المنطقة، وطلب إسماعيل وقتها أن يمارس الروس ضغوطا على الأمريكان في اجتماع القمة المزمع عقده بواشنطن في يونيو حزيران 1973، وقتها عرض السوفييت قيامهم باتصالات مع نظرائهم هناك، ومع الاسرائيليين أيضا لتحريك القضية ووافق السادات.

دور الفريق حافظ إسماعيل

أشار الباحث إلى دور الفريق حافظ اسماعيل الذي كان بارزا وقتها، ولقاءاته مع كيسنجر أثناء الزيارة التي قام بها في فبراير شباط 1973 إلى أمريكا حاملا رسالة من الرئيس السادات للرئيس نيكسون، الذي أبلغ إسماعيل وقتها أن الإدارة الأمريكية أخطأت حينما رفضت تمويل بناء السد العالي، وأكد رغبة بلاده في إقامة سلام عادل في الشرق الأوسط، لكنه قال في الوقت نفسه أنه لن يستطيع فرض رأيه على أي طرف، ورد حافظ إسماعيل مرحبا بمرحلة التفاهم الجديدة، وبعدها بدأت لقاءات علنية على مستوى وزراء الخارجية وسرية قادها إسماعيل والتقى خلالها كيسنجر تفعيلا لتلك التفاهمات بالفعل على مدى يومين في الأسبوع الأخير من فبراير عام 1973، وشارك معهما عضوين آخرين من مجلس الأمن القومي هما بيتر رودمان وهارولد سوندرز، وكان ملخص العرض المصري حل النزاع المسلح في البداية ثم يأتي بعد ذلك تطبيع الأوضاع في المنطقة وأن يستند كل ذلك على قرارات الأمم المتحدة، وتفسيرات الدول الكبرى للقرار 242، مع خفض الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، وقال إسماعيل وقتها إن فض الاشتباك على الجبهة العربية الاسرائيلية سوف يؤدي إلى تسوية قضية فلسطين, قيام سلام نهائي.
وتابع المؤلف حالات الأخذ والرد التي جرت في اللقاء، وقال بعد تحليله لها إن الولايات المتحدة لم ترد أن تلزم نفسها بلعب دور نزيه لإحلال السلام في المنطقة، وذلك نتيجة تأثرها بالنصر الاسرائيلي الذي تحقق في 1967، وثقتها في عدم قدرة العرب على على تغيير الوضع عسكريا، لذا سعى كيسنجر خلال اللقاء إلى وضع شروط مجحفة تحقق أكبر مكاسب ممكنة لتل أبيب، يسبقها اتفاق مرحلي يتم بمقتضاه إعادة فتح قناة السويس، لكن حافظ إسماعيل ظل مصرا على تحقيق تسوية شاملة.

الدور الأمريكي في مفاوضات السلام من مؤتمر جينيف إلى فك الاشتباك الثاني

في الفصل الثاني وعنوانه “الدور الأمريكي في مفاوضات السلام من مؤتمر جينيف إلى فك الاشتباك الثاني” تناول المؤلف خمس نقاط رئيسية فرضت نفسها على الأحداث في ذلك الوقت بعد قرار وقف إطلاق النار الذي صدره مجلس الأمن في 25 أكتوبر عام 1973، والذي حمل الرقم 340، وكرر فيه الدعوة لوقف إطلاق النار فوراً، وإنشاء قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة، ثم حدثت أزمة حصار الجيش الثالث المصري بعد قبول مصر قرار قف إطلاق النار، والتفاف تل أبيب عليه، بعدها تناول ما دار من اتصالات لفك الحصار بين كيسنجر والسادات والسفير الاسرائيلي في واشنطن، وما ظهر من تعنت اسرائيلي لرفض فك الحصار، ثم الحوار الذي جرى بين الرئيس نيكسون والرئيس بريجينيف الذي أحيط بما جرى من اتصالات بين أمريكا والسادات، من أجل اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف اسرائيل المتكرر لوقف إطلاق النار، ورد الرئيس السوفيتي الذي تركز على دعم مصر ومساندة السادات في طلبه.
وذكر الباحث أن الرد السوفيتي كان هادئا، وعكس تراجعا عن موقف موسكو المتشدد ولجوئها للضغط باستخدام الحلول الدبلوماسية، حيث ألمح بريجينيف إلى أن الموقف الأمريكي المتراخي من حل أزمة حاصر إسرائيل للجيش الثالث سوف يسئ للدور الأمريكي في عملية السلام، وهو ما أتى بثماره واستخدمه كيسنجر للضغط على تل أبيب لحل الأزمة التي بدأت تتزحزح حتى وصلت مقدمة القوات الدولية للسويس ليسدل الستار على العمليات الحربية.

وفي الفصل الثالث “الجهود الأمريكية للتوصل إلى لاتفاقية السلام من يناير 1976حتى أغسطس 1978” قام الباحث بدراسة حالة الجمود التي كانت مسيطرة على موقف قضية الشرق الأوسط بعد حرب اكتوبر، ثم قام بتحليل موقف الإدارة الأمريكية الجديدة التي قدمت مبادرة جديدة لإحلال السلام، ثم ركز على ما تم خلال العام الذي جرى فيه حسم السلام، وكيف تم الوصول إليه وتوقيع الاتفاقية.
وفي الفصل الرابع “السلام : من الاتفاقية إلى المعاهدة” ركز الباحث على شرح الدور الأمريكي في محادثات كامب ديفيد، ومعاهدة السلام، وأحداث مؤتمر بلير هاوس.

 

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى