تحديات كبرى بانتظار بزشكيان بعد فوزه في الانتخابات الإيرانية
تقرير: علي الجابري
شهدت إيران يوم السبت جولة ثانية حاسمة من الانتخابات الرئاسية، التي أسفرت عن فوز المرشح الإصلاحي، مسعود بزشكيان، على منافسه المحافظ المتشدد، سعيد جليلي. وسط أجواء من الترقب الشعبي والاهتمام الدولي، أدلى ملايين الإيرانيين بأصواتهم في انتخابات بالغة الأهمية، تعكس نتائجها التوجهات المستقبلية للسياسة الإيرانية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
جاء هذا الفوز بعد حملة انتخابية شديدة المنافسة، دعت الأطراف المتنافسة خلالها إلى رؤى متباينة لمستقبل البلاد. بيد أن بزشكيان يواجه تحديات كبرى فور تسلمه المنصب، تشمل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، العلاقات المعقدة بين السلطات الحاكمة، الاتفاق النووي الشائك، التصعيد الإسرائيلي المتزايد، والدور الإيراني المساند لروسيا في الحرب الأوكرانية.
فوز المرشح الإصلاحي
فاز المرشح الإصلاحي، مسعود بزشكيان، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت السبت، متغلبًا على المرشح المحافظ المتشدد، سعيد جليلي، حسبما أفادت وسائل الإعلام الرسمية.
وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية نتائج الانتخابات بعد فرز أكثر من 30 مليون صوت، حيث حصل بزشكيان على ما يزيد عن 17 مليون صوت، بينما حصل جليلي على أكثر من 13 مليون صوت.
منافسة قوية
تواجه بزشكيان، الذي يدعو للانفتاح على الغرب، مع المفاوض السابق في الملفّ النووي المحافظ المتشدد جليلي المعروف بمواقفه المتصلبة إزاء الغرب. وحظيت هذه الدورة الثانية من الانتخابات بمتابعة دقيقة من الخارج نظراً لأهمية إيران الجيوسياسية في الشرق الأوسط وتأثيرها على قضايا متعددة مثل الحرب في غزة والملف النووي الإيراني.
إقبال الناخبين ومراكز الاقتراع
دُعي نحو 61 مليون ناخب في إيران الجمعة للإدلاء بأصواتهم في 58,638 مركز اقتراع موزعة في أنحاء البلاد، من بحر قزوين شمالاً إلى الخليج جنوباً. أغلقت مراكز الاقتراع أبوابها عند منتصف الليل (20:30 ت غ) بعد تمديد التصويت ست ساعات.
نتائج الدورة الأولى والدعم السياسي
في الدورة الأولى، نال بزشكيان 42.4% من الأصوات مقابل 38.6% لجليلي، بينما حصل مرشح محافظ آخر هو محمد باقر قاليباف على 13.8%. وحظي بزشكيان البالغ 69 عاماً بتأييد الرئيسَين الأسبقَين الإصلاحيين محمد خاتمي وحسن روحاني، في حين حظي جليلي بدعم محمد باقر قاليباف.
الأوضاع الاقتصادية وحملة بزشكيان الانتخابية
جرت هذه الانتخابات وسط حالة استياء شعبي ناجم عن تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وأثناء حملته الانتخابية، قال بزشكيان إن “الناس غير راضين عنا”، مشيرًا إلى عدم تمثيل المرأة والأقليات الدينية والعرقية في السياسة. ودعا إلى “علاقات بناءة” مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل “إخراج إيران من عزلتها”.
ردود فعل ومواقف دولية
تابعت القوى الدولية هذه الانتخابات عن كثب، نظراً لتأثير نتائجها على المفاوضات النووية والعلاقات الدولية. وأقر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بأن “نسبة الإقبال جاءت أقل من المتوقع”، لكنه اعتبر أن المشاركة في الانتخابات “تشبه إطلاق صاروخ” على الأعداء.
التحول الديموغرافي وأثره على تقدم الإصلاحيين
وفقًا لخبراء، شهدت إيران خلال العقدين الماضيين تحولاً ديموغرافياً كبيراً، ساهم في تقدم الإصلاحيين رغم انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات. أحد أبرز ملامح هذا التحول هو ارتفاع نسبة الحضر إلى أكثر من 74% من السكان، حيث يعيش في طهران وحدها نحو 10 ملايين نسمة، ما يمثل حوالي 11% من إجمالي السكان. ومع إضافة مدن كبرى مثل مشهد، تبريز، أصفهان، كرج، وشيراز، يصبح سكان المدن الكبرى أكثر من 30% من السكان.
يشير الخبراء إلى أن هذا التحول نحو الحياة الحضرية اقترن بارتفاع معدلات التعليم الجامعي، حيث يمثل طلاب الجامعات نحو 8% من السكان البالغين (19 عاماً فما فوق) في إيران، 60% منهم من النساء. هذا الوضع الديموغرافي يفسر جزئياً انخفاض نسبة المشاركة السياسية، إذ أن سكان الحضر الحاصلين على تعليم جامعي يكونون عادة أقل ميلاً للمشاركة في الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية المقيدة، وهو ما ينطبق بشكل كبير على إيران.
ويرى الخبراء أن التحول الديموغرافي “التقدمي” في إيران شق طريقه ببطء ولكن بثبات على مدى ثلاثة عقود، ليعيد رسم الخريطة السياسية للبلاد. هذا التحول يُعتبر تحدياً كبيراً للمحافظين، الذين يرفضون الاعتراف به لأنه يُعد تهديداً لنظام “ولاية الفقيه” ويتعارض مع قيم التقدم والتعليم. في المقابل، يرى الإصلاحيون في هذا التحول تحدياً يزيد من أعبائهم في معاركهم المستمرة، خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل الحجاب وتحرر المرأة.
التحديات المستقبلية والتوقعات
يواجه بزشكيان تحديات كبيرة في الوفاء بوعوده الانتخابية، خاصة في ظل السيطرة القوية للنخبة الحاكمة من رجال الدين والمتشددين. وعلى الرغم من توقع بعض المحللين أن يساعد انتصاره في تعزيز سياسة خارجية عملية وتخفيف التوترات مع الغرب، إلا أن الشكوك تظل قائمة حول قدرته على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي وعد بها.
بينما تظل الانتخابات الرئاسية الإيرانية محط أنظار العالم، يبقى السؤال حول قدرة الرئيس الجديد على تحقيق التغيير المنتظر في البلاد وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسط الضغوط الداخلية والخارجية، حيث تواجه الرئيس الجديد تحديات كبرى، أبرزها:
1. الأزمة الاقتصادية التي تصاعدت حدتها بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، وذلك الحصار المفروض على الجمهورية الإيراني بسبب برنامجها النووي، وهو ما ساهم في انخفاض عملتها وارتفاع نسب التضخم، وعزلتها التي حدت من قدراتها الاقتصادية، حيث أصبح المطلب الشعبي الإيراني الرئيسي، هو القضاء على التضخم وإنهاء العقوبات الاقتصادية.
2. إدارة العلاقة بشكل متوازن وقانوني بين السلطات الحاكمة الرئيسية في البلاد، حيث يتمتع المرشد الأعلى بصلاحيات مطلقة، ويهيمن الحرس الثوري على القرار الخارجي، بينما يحاول البرلمان، والحكومة والرئيس التوافق بين كل هذه الجهات، وهو ما أفقد الدولة الإيرانية في الماضي وجود هيئة ناجحة لإدارة الأزمات في البلاد.
3. الاتفاق النووي، يشكل المعضلة الكبرى أمام أي رئيس لأنه يعكس علاقة إيران بالمجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وإسرائيل، وهم جميعًا يقفون ضد الطموحات الإيرانية في بناء قدرات عسكرية نووية تحمي البلاد من مواجهات حتمة قادمة.
4. التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، حيث يرجح المراقبون مهاجمة إسرائيل للمواقع النووية الإيرانية، مع احتمالات لضرب المؤسسات السيادية والرئيسية في البلاد خاصة بعد تعاون أمريكا معها في تجريب أنواع من القنابل مسحت أحياء كاملة في غزة، وهو ما عد “بروفة ” للحرب في لبنان وإيران.
5. الدور الإيراني المساند لروسيا في الحرب الأوكرانية وخاصة إمدادها بالطائرات المسيرة ليستوجب قرارًا استراتيجًا إما بالمضي قدمَا في هذا الدعم، وتحمل تبعاته من مواجهة شاملة مع أمريكا وأوربا، أو العودة إلى منطقة محايدة تخفف من وطئة الغضب الأمريكي الأوروبي عليها، وربما مقابل حمايتها من ضربة إسرائيلية قادمة.
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال حول قدرة بزشكيان على تحقيق التغيير المطلوب وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي