شعراء السبعينيات المجريين في مختارات بترجمة مصرية
أحمد عبد الحافظ
43 قصيدة لستة من شعراء السبعينات المجريين المعاصرين، هم جورج بيتري، وإشتفان باكا, وكوروي باري، وهو شاعر غجري معاصر, ويُعد من أبرز شعراء جيله, وتيبور زالون، وجوزو فيرنتز، وأندروش باتوتس يتضمنها كتاب “مختارات من الشعر المجري المعاصر… شُعَرَاءُ السَّبْعِينِيَّات” الذي صدر مؤخرا عن سلسلة الجوائز التي تشرف عليها هيئة الكتاب المصرية ترجمة الدكتور علاء عبد الهادي رئيس اتحاد الكتاب المصريين، ولا يتوقف الكتاب عند هؤلاء فقط بل يقدم ترجمة لبعض قصائد اثنين من شعراء جيل الستينيات, هما إلأمر هورفات وآلادور لوسلوفي، الكتاب قام بتأليفه عدد من الشعراء المجريين.
تأتي النسخة العربية للكتاب باعتبارها أول تناول لمشهد الشعر المجري المعاصر, وأول ترجمة عربية لقصائد من عيون الشعر لعددٍ من الشعراء البارزين, الذين لا يضمهم توجه جمالي, أو نزوع تجريبي واحد، وقام بمراجعتها على الأصل المجري البروفسور فودور شاندور، وحازت الترجمة على جائزة الكاتب المجري “فوشت ميلان من أكاديمية العلوم المجرية”.
وذكر عبد الهادي أنه التزم في الترجمة بالمحافظة على المبنى الشعري الأصلي, دون أي إضافات تفسيرية أو تأويلية، وسعى لأن تكونَ الترجمة الحَرْفِيَّة, والاستيعاب التأويلي والتفسيري للنص هي المرحلة الأولى التي يليها التخلِّي عن هذه الحرفية, من أجل بعث النص في روحٍ عربيةِ اللغة والبناء, وقد دفعه ذلك في بعض الأحيان إلى نحت مفردة جديدة من مجموع الدلالات التي يمكن أن توحي بها مفردة واحدة, والاستغناء عن حَرفِيَّةِ الترجمة إن كان هناك ما يبرر ذلك, كما اهتم عبد الهادي بشكل خاص بالتركيب الكلي للمقطع الشعري, رغم أنه، حسب قوله، لم يلتزم بأن تقابلَ كلَّ جملةٍ في الأصل الجملةُ المُتَرْجَمُ عنها, وذلك حتى يساعد القاريء العربي في الإحساس بشاعرية النص المُتَرْجَم.
وتضمنت المختارات قصائد للشاعر كاروي باري، وُلد عام 1952 في بوكارانيوش, وله عدد من المجموعات الشعرية ، ومنها ديوان “من فوق أوجه الميت” صدر عام 1970, “النار المنسية”صدر في عام 1973, “كتاب التكتم” صـدر في عام 1983, “واحد وعشرون قصيدة” صدر في عام 1993، وتُرجم عدد منها إلى الإيطالية, والألمانية, والإنجليزية, والفرنسية، وحصل على جائزة يوجيف أتيلا في عام”1984″, وجائزة دري من مؤسسة شوروش, عام “1992”, والجائزة الأدبية لجمعية وسط أوروبا, عام 2000 وجائزة “زولتان كوداي” عام 2001،
ومن بين مختاراته التي ترجمها عبد الهادي له، كانت قصيدة “أُمِّي” التي يقول فيها:
ستَبقى دَومًا مُخلصةً لغضونِها المجبولةِ,
منْ فُؤادِ الطمي,
تدقُّ الذئابُ المنبوذةُ الخرساءُ,
بابَها كلَّ ليلةٍ,
تتركُهُم يدخُلون..
وتُهَدهِدُهُم.. إلى جانبِها فوقَ السّرير,
المِذْراةُ – الهررُ ذواتُ المخالبِ,
تتعقَّبُ البردَ في فِناء الدَّار.
تتسلَّقُ إلى البئرِ هابطةً,
منْ أجلِ القمر,
تُقِلُّه إلى الأعلى ، تُعَلِّقُه في المطبخِ,
من أجلِ الضياءِ,
أمّي تجلِسُ في مطبخِها,
تتصارعُ في قبضتِها زهرةٌ,
كانَ شعاشُ القمرِ على الحائطِ مربوطًا..
يلوكُ رغيفَ ضفيرتِها:
فيومِضُ شعرُها المعقوفُ..
في ضوْءِ القمر.
وقد حرص المترجم في ترجمته لنصوص باري وغيره من شعراء المختارات على تقطيع الجمل الطويلة عند ترجمتها من النصوص الأصلية, بطرائق أقرب إلى التقطيع المستخدم في الشعر العربي المعاصر, كما حاول خلق إيقاع لبعض القصائد التي جاءت في الأصل موقعة.
ولم يكتف عبد الهادي بتقديم ترجمته والتعريف بالشعراء أصحاب القصائد، بل قام بعمل إطلالةٍ سريعة على تاريخ الشعر المجري وتطوّره بدء من الفلكلور المجري, الذي ترجع رحلة اكتشافه الجادة والاهتمام به إلى القرن التاسع عشر، وتعد التراتيل الشامانية, أو تراتيل الكهان من أقدم الأمثلة الشعرية في هذا التراث، وقد تعرض للحصار في القرن الأول من دخول الدين المسيحي إلى المجر, بدعوى ارتباطه بالوثنية التي كانت تحاربها المسيحية, لكنه عاش سرًّا, في صدور الناس ومجالسهم الخاصة, وهناك مادة شعرية متاحة على نحو وافر منه تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
ولفت إلى أن شعر العصور الوسطى المجري يشترك مع الشعر الأوروبي في عدد من السمات أهمها تشابه الدوافع, والموضوعات, والمضامين, كما يمكن ملاحظة الأثر المسيحي ذاته في الأسلوب, وترجع أقدم الأمثلة الشعرية إلى عام “1200” تقريبًا وهو نص “الخطبة الجنائزية” المكتوب بالمجرية القديمة، أما أوَّلُ نص شعري فيعود إلى المرثيات القديمة التي كتبت في السيدة مريم العذراء.
وأشار المترجم إلى أن الشاعــرُ يانوش بانُّونيش من أهم شعراء القرنين الرابع والخامس عشر, وكان يكتب باللاتينية, ومن الشعراء البارزين في هذه الفترة أيضًا, أندروش فاشـارهيي، وسباستيان تينودي.
عصر النهضة “1554-1594”
أما عصر النهضة “1554-1594” فقد شهد ميلاد الشعر المجري الكلاسيكي، وقامت أول محاولة جادة لوصله بنظيره الأوروبي الحديث في القرن السابع عشر، بعد التحرر من العثمانيين.
وقد تأثر الشعر المجري بالشعر الأوروبي في أوزانه على نحو عام, خصوصًا أوزان الأيامبي، والتروكي، والأنابستي, مع وجود اهتمام خاص بالقافية، ومع نهايات القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ظهرت مجموعة مهمة من الشعراء المجددين, كان من أبرزهم “يانوش باتشاني”، و”ميهاي تشوكوناي فيتز”، و”دانييل بيرزيني و”فيرنتس كولتشاي ” و”ميهاي فوروشمارتي” الذي ظهر الجانب القومي في شعره، وتأثر بالحركة الرومانسية، وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر ظهر الشاعر شاندور بيتوفي 1823- 1849الذي عبر عن روح الشعب المجري وأحاسيسه.
وقبل الحرب العالمية الثانية, مر الشعر لمجري بمرحلة قاسية, وتركزت أكثر مواضيعه على الموت, ويُعد أندريه آدي 1919- 1877 من أكثر الشعراء تأثيرًا في الشعرالمجري الحديث، وقد نادى بتحريره من قوالبه الكلاسيكية.
أما الاتجاهاتُ التجريبية فلم تُحتَمَل من قِبل السلطة, ولم يتسنَّ لها الظهور حتى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. حيث ظهر جيل جديد, حاول دفع الأدب المجري إلى اتجاه مغاير, وابتعد عن جيل الستينيات وجمالياته, وانفتح على التجريب, ومنجزات الشعر الأوروبي في تلك الفترة.
وتحركت الكتابة الجديدة، وأصبح للقصيدة النثرية الحرة قبولٌ عام, وحاولت تحرير الشعر من أساليبه, سواء على مستوى الموضوع وما يتضمنه ذلك من الانفتاح على التابو، والشعر التعبيري الحر، أو على مستوى الشكل القصيدة البصرية، التجريب اللغوي, اللعب بالصوتيات وتقنيات التداخل النوعي ما بين الشعر وطرائق كتابته.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي