خلال الضربة الجوية الأولى التي بدأت بها مصر الحرب كان سلاح الصواريخ المصري وكل الدفاع الجوي مقيدا بالكامل في صمت محسوب . هذا طبيعي . فقط بعد ان تعود جميع الطائرات المصرية إلى قواعدها سالمة تصبح حرية العمل متاحة لضباط حائط الصواريخ بالعمل لإسقاط أي هدف معاد بلا رحمة . وفعلا جري التصرف .. بلا رحمة . الحرب حرب . إما قاتل أو قتيل . وفي تلك اللحظة أصبح حائط الصواريخ هو القاتل . من بين خمسة طائرات إسرائيلية جاءت تقذف الكباري العائمة التي يقيمها المهندسون المصريون ، كانت الصواريخ المصرية تصيب أربعة .
في المحصلة : خلال ساعتين اثنين في هذا اليوم الأول ٦ أكتوبر اسقطت الصواريخ المصرية ٣٨ طائرة اسرائيلية . وقبل ان يحل المساء كانت الأجهزة المصرية قد سجلت مكالمة باللاسلكي من القيادة الإسرائيلية الي طياريها : ابتعدوا تماما عن نطاق حائط الصواريخ المصري . يعني ، لا تتجاوزوا عشرين كيلو مترا من حافة قناة السويس .
وبتلك التعليمات أصبح هذا يعني أن الطائرات الإسرائيلية ـ وهي أهم ما تمتلكه إسرائيل ـ عليها أن توجه صواريخها أو قنابلها الي الكباري العائمة التي يقيمها المصريون في قناة السويس من مسافة ٢٠ كيلومترا . في تلك الحالة هي لا تصبح طائرات تصبح فقط نوع آخر من المدفعية بعيدة المدي وهو في حد ذاته ما يلغيها كطائرات ، ويجعلها تتساوي مع أي مدفعية أرضية بعيدة المدي وان يكن بكفاءة أقل .
هذا يعيدنا إلي الكباري العائمة التي يحاول المهندسون المصريون إقامتها في الجزء الجنوبي من قناة السويس داخل النطاق الذي يجب ان يعبر الجيش الثالث من خلاله الي الشرق . هناك قذائف تأتي جوا ـ وعشوائيا ـ من الطيران الإسرائيلي . هناك أيضا قذائف آخري ، أكثر فاعلية ، من المدافع الإسرائيلية عيار ١٧٥ مم تأتى فوق رؤوس المهندسين . نفس المهندسين المصريون لمنعهم من استكمال اقامة كباري عبور الجيش الثالث الي الشرق . فوق هذا وذاك هناك الصعوبة الثالثة ، من التربة هذه المرة ، التي تجعل فتح الثغرات مستعصية تماما امام قذائف المياه او مدفعية المياه التي ابتكرها المصريون .
فجأة وجدت كتائب المهندسين المصريون بينهم احد قادتهم . هو لا يحمل رتبة علي كتفه ، ولا يتصرف مطلقا باعتبار قائدا لأي أحد . لكن تلك الكتيبة من المهندسين تعرف انه اللواء أحمد حمدي . وبكل بساطة يتناقش احمد حمدي مع ضباطه المهندسين وبكل ثقة يطرح معهم الحلول ، لقد عاش كل هذا منذ ١٩٦٩ حينما شارك في مراجعة واختبار كل الصعوبات المحتملة وغير المحتملة .. التربة تفاجئنا . ممكن لكننا أيضا نستطيع ان نفاجئ التربة حتي لا تستعصي علينا .
في النهاية نجح المهندسون في إقامة هذا الكوبري المستعصي عليهم وبدأ عبور الدبابات وتنفس أحمد حمدي الصعداء قائلا لضباطه المهندسين : سوف اغادركم الآن لأطمئن علي باقي كباري العبور ، وفي لحظة انصرافه إذ بقذيفة عشوائية من مدفع إسرائيلي ـ ضمن آلاف القذائف الأخرى المعتادة قبل ساعات ـ تصيب احمد حمدي فتسقطه شهيدا.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي