البرهان وبن زايد.. خداع إماراتي أم مقاربة دبلوماسية مع تصاعد الصراع السوداني؟
تقرير: علي الجابري
“إن هذا لشئ عجاب”.. هكذا يكون الرد الأكثر واقعية بعد الاطلاع على إفادة وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام” التي نقلت خبرًا مفاجئًا عن مكالمة هاتفية بين محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ورئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان.
ففي هذه المكالمة، عبّر بن زايد عن دعم أبوظبي لأي جهود تهدف إلى وقف الحرب المستمرة في السودان، مؤكدًا حرص الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية لوقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان، بما يسهم في تعزيز استقرار وأمن البلاد وتحقيق تطلعات شعبها إلى التنمية والرخاء. كما شدد على ضرورة تغليب صوت الحكمة والحوار وإعلاء مصالح السودان العليا.
لكن من العجب أن ابن زايد يبدو أنه تناسى دور الإمارات البارز في دعم قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”.
هذا الدعم، الذي يتضمن التمويل العسكري والتوريد، أثار جدلاً واسعاً حول دور الإمارات في تأجيج الصراع في السودان وتأثير ذلك على استقرار المنطقة.
أولى المباحثات منذ اندلاع الحرب
تُعد هذه المحادثات الهاتفية بين قادة البلدين الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023. ومع تصاعد التوترات بين السودان والإمارات، أثارت المكالمة الأخيرة تساؤلات مشروعة حول نوايا الإمارات ودورها في الصراع السوداني.
فقد اتهمت السلطات السودانية الإمارات بتمويل قوات الدعم السريع وتزويدها بالأسلحة والعتاد الحربي عبر طرق غير مباشرة عبر تشاد وأفريقيا الوسطى، مما أدى إلى تحقيق فارق كبير في المعارك العسكرية المستمرة منذ 15 أبريل. ويبدو أن الدعم الإماراتي قد ساهم بشكل ملحوظ في تصعيد النزاع، ما يطرح تساؤلات حول مصداقية الجهود المعلنة للإمارات في تحقيق الاستقرار.
التوترات الدبلوماسية بين البلدين
هذه الاتهامات كان لها وقع كبير على العلاقات بين البلدين، إذ تصاعدت التوترات إلى درجة انتقادات لاذعة من القادة العسكريين السودانيين تجاه القيادة الإماراتية.
وفي سياق متصل، شهدت جلسة مجلس الأمن الشهر الماضي تراشقات دبلوماسية حادة بين مندوبَي البلدين، ما أدى إلى تصعيد غير مسبوق شمل تبادل طرد دبلوماسيين، هذا التصعيد يوضح حجم الهوة بين المواقف والاتهامات المتبادلة، ويعكس عمق الأزمة التي تعصف بالعلاقات بين الخرطوم وأبوظبي.
ردود الأفعال على الاتهامات
اتهمت السودان الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، حيث قدمت بعثة السودان في الأمم المتحدة في يونيو الماضي ملفًا يحتوي على أدلة تشير إلى تزويد الإمارات هذه القوات بالأسلحة والآليات الحربية، بالإضافة إلى أنظمة الاتصالات.
وفي الوقت نفسه، سارع المسؤولون الإماراتيون إلى نفي هذه الاتهامات، مؤكدين أن أنشطتهم تقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاع. ومع ذلك، تثير هذه التصريحات المتناقضة مع الأفعال تساؤلات حول الدور الفعلي الذي تلعبه الإمارات في الأزمة السودانية.
موقف الجيش السوداني ومجلس السيادة
حتى الآن، لم يصدر الجيش السوداني أو مجلس السيادة تعليقًا رسميًا حول المحادثات الهاتفية بين البرهان وبن زايد. هذه الخطوة قد تكون بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، لكنها تأتي في وقت يمر فيه السودان بظروف إنسانية صعبة، مما يجعل من الضروري تسليط الضوء على كيفية تأثير هذه التطورات على الأزمة الحالية ومدى تأثيرها على مستقبل العلاقات السودانية الإماراتية.
دور الإمارات في الحرب الأهلية السودانية
أولًا: دعم التمرد:
لم تتوقف الاتهامات التي طالت بين الحين والآخر دولة الإمارات في دعمها للتمرد بقيادة “حميدتي”، على الداخل السوداني فقط، بل اتهم المراقبون أيضصا بن زايد بتأجيج الصراع بشكل مستمر، فوفقًا لجورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة “جَلف ستيت أناليتيكس”، يعتبر دعم الإمارات لـ”حميدتي”، أحد العوامل البارزة التي ساعدت في تحقيق النجاحات العسكرية لقوات الدعم السريع، مما يعكس توجهاً غير مبرر لزيادة القتال بدلاً من السعي نحو السلام.
بفضل الدعم الإماراتي المستمر للتمرد، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، دون مقاومة تذكر من القوات المسلحة السودانية، وهو ما يعكس تأثير الدعم الإماراتي في تعزيز قدرات قوات الدعم السريع ويؤكد دورها المزعزع للاستقرار في المنطقة.
ثانيًا: إمدادات عسكرية وأموال:
تُتهم الإمارات بإرسال طائرات ووسائل نقل لدعم قوات الدعم السريع، وفقًا لتصريحات الفريق أول ياسر العطا. كما يعكس شراء حميدتي لعدد من السيارات من الإمارات في عام 2019، والتي يمكن تحويلها إلى “عربات مسلحة”، دور الإمارات في تعزيز قدرات قوات الدعم السريع العسكرية بشكل مباشر.
ثالثًا: الردود السودانية على الدعم الإماراتي:
نتيجة للدعم الذي تقدمه الإمارات لقوات الدعم السريع، اتخذ الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، إجراءات صارمة ضد الإمارات، شملت طرد 15 دبلوماسيًا إماراتيًا في ديسمبر 2023.
هذا التصعيد لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى الانتقادات اللاذعة التي وجهها البرهان للإمارات، والتي أسفرت عن تبادل طرد دبلوماسيين وتراشق في جلسات الأمم المتحدة.
رابعًا: دعم خارجي لقوات الدعم السريع:
يرتبط دعم الإمارات لقوات الدعم السريع بعلاقات قديمة مع حميدتي عبر استخراج وتهريب الذهب من مناجم جبل عامر في دارفور، ويستمر حميدتي في استخدام أمواله وأموال قوات الدعم السريع في الإمارات، التي تُعد مركزًا لنشاطاته الاقتصادية والإعلامية، مما يشير إلى تضارب المصالح في الدعم الخارجي.
خامسًا: التمويل المباشر والتوريد العسكري:
تقوم الإمارات بدعم قوات الدعم السريع من خلال تقديم تمويل مباشر وإمدادات عسكرية متنوعة، مما يعزز قدرتها على ارتكاب أعمال العنف والجرائم ضد المدنيين. هذا الدعم العسكري يعكس تناقضاً صارخاً مع ادعاءات الإمارات بأنها تقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاع.
سادسًا: الاستفادة من الموارد الطبيعية:
يؤكد المحللون السياسيون أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع يهدف إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من خلال الحصول على الذهب والموارد الطبيعية الأخرى في السودان. هذا الاستغلال يعكس طموحات الإمارات في السيطرة الاقتصادية على موارد السودان، مما يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية في دعم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وفي التقدير، فإن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع يساهم في انهيار المؤسسات السودانية وصعود العناصر العنيفة غير التابعة للدولة، مما يفاقم الأزمات ويؤثر بشكل سلبي على الاستقرار الإقليمي. هذا الدعم لا يؤدي إلى تعزيز الاستقرار بل يعزز الفوضى وعدم الاستقرار.
في الختام، يُعزز دعم الإمارات لقوات الدعم السريع نفوذها في السودان على حساب الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبدالفتاح البرهان. هذا النفوذ الإماراتي يعكس استراتيجية غير مبررة لتعزيز مصالحها على حساب الاستقرار السوداني، مما يثير تساؤلات حول دور الإمارات الحقيقي في الأزمة السودانية.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي