العديد من دول أوروبا تُعيد الخدمة العسكرية الإجبارية لمواجهة المخاطر المحتملة
تقرير: محمد علاء
أعادت عدة دول أوروبية، الخدمة العسكرية الإجبارية أو وسعت نطاقها، بشكل لم يكن يتصوره أحد منذ عامين، وهي جزء من مجموعة سياسات تهدف إلى تعزيز الدفاع، ومن المتوقع توسيع نطاقها خلال المدة المقبلة.
وأوقف عدد من الدول الأوروبية التجنيد الإلزامي، بعد نهاية الحرب الباردة، لكن العديد من الدول، لا سيما الدول الاسكندنافية ودول البلطيق، أعادته خلال السنوات الأخيرة.
لاتفيا هي الأحدث في تنفيذ التجنيد الإجباري، حيث أعيد العمل به، في يناير الماضي، بعد إلغائه في عام 2006، حيث يتم تجنيد المواطنين الذكور في غضون 12 شهرًا من بلوغهم سن الثامنة عشرة، أو التخرج بالنسبة للذين ما زالوا في التعليم، بحسب شبكة CNN.
اتهام لروسيا
قال رئيس أبحاث أوراسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، روبرت هاملتون، الذي خدم في الجيش الأمريكي لمدة 30 عامًا، إن بحث كيفية تعبئة ملايين الأشخاص في عام 2024، لإلقائهم في مفرمة الحرب المحتملة، هو المكان الذي وضعتنا فيه روسيا، وهو أمر مأساوي.
وذكر “هاملتون”، أنه يجب تعديل الطريقة التي نحشد بها للحرب، والطريقة التي ننتج بها المعدات العسكرية، ونقوم بتجنيد وتدريب الأفراد.
تزايد مخاطر نشوب حرب أكبر في أوروبا
من جانبه، ذكر الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك، أن مخاطر نشوب حرب أكبر في أوروبا تزايدت بعدما لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى صراع مفتوح في أوكرانيا، سعيًا لإعادة إنشاء الإمبراطورية السوفييتية.
قال “كلارك”، الذي قاد قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” خلال حرب كوسوفو، إن هناك الآن حرب في أوروبا، لم نكن نعتقد أننا سنشهدها من جديد، ومن غير الواضح إذا هذه حربًا باردة جديدة أم حربًا ساخنة تبدأ، ولكن هذا تحذير للناتو لإعادة بناء دفاعاته، ومن بينها من خلال التجنيد الإجباري.
خطة النرويج
قدمت النرويج، خلال أبريل الماضي، خطة طموحة لمضاعفة ميزانية الدفاع، وإضافة أكثر من 20 ألف جندي وموظف وجنود احتياطيين إلى القوات المسلحة.
والتجنيد الإجباري في النرويج إلزامي، وفي عام 2015، أصبحت أول دولة عضو في “الناتو”، تجند الرجال والنساء على قدم المساواة.
وتجري مناقشات بشأن التجنيد الإجباري، في دول أوروبية أخرى، وفي مقدمتها المملكة المتحدة، حيث طرح المحافظون فكرة الخدمة العسكرية في حملتهم الانتخابية، ولكنهم تلقوا هزيمة كبرى في الانتخابات التي أجريت خلال الشهر الحالي، لصالح حزب العمال.
تحول في ألمانيا
يبقى التحول الأكثر دهشة، في ألمانيا، التي حدثت خطتها في حالة اندلاع صراع في أوروبا، واقترح وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، خلال يونيو الماضي، خدمة عسكرية تطوعية جديدة، كي نكون مستعدين للحرب بحلول عام 2029.
وقال الزميل الزائر في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، شون موناغان، إن تلك هي الخطوة الأولى، وهذا لا يحدث بين عشية وضحاها، بحسب CNN.
لفت “موناغان”، إلى أنه مع استمرار التجنيد الإجباري الذي لا يحظى بشعبية في بعض الدول، فإن الناتو يكافح لتحقيق هدفه الجديد المتمثل في وجود 300 ألف فرد جاهز خلال شهر، وتوافر نصف مليون آخرين خلال 6 شهور.
وذكر أن حلف شمال الأطلسي، حقق هذا الهدف بالفعل، معتمدًا على القوات الأمريكية، ولكن يرى الاتحاد الأوروبي، أن أعضائه سيواجهون صعوبات لتوفير الجنود.
إعادة التجنيد في ليتوانيا
أعادت ليتوانيا، تقديم الخدمة العسكرية الإجبارية في عام 2015؛ بسبب الوضع الجيوسياسي المتغير، حيث يتم تجنيد نحو 3500 إلى 4000 مواطن تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عامًا كل عام لمدة 9 شهور.
وذكر رئيس الاتحاد الوطني للطلاب في ليتوانيا، باوليوس فايتيكوس، أن الطلاب أطلقوا مبادرات لإرسال الإمدادات إلى الخطوط الأمامية الأوكرانية، مشيرًا إلى أن هناك تحولًا في عقلية الشباب لبذل نشاط أكبر، ولكن ليس بالضرورة عبر التجنيد.
قوة احتياطية استراتيجية
تتمتع فنلندا، أحدث الدول الأعضاء بحلف “الناتو”، بالقدرة على تفعيل ما يزيد على 900 ألف جندي احتياطي، و280 ألف جندي عسكري جاهزين للرد على الفور حال الحاجة لذلك.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه خلال السلم، توظف قوات الدفاع الفنلندية حوالي 13 ألف شخص، بمن فيهم الموظفون المدنيون.
وفنلندا في الماضي، قبل انضمامها للحف، كانت محصورة بين الناتو والاتحاد السوفييتي، ولم تكن متحالفة مع أي منهما، فكانت بحاجة إلى قدرتها على الدفاع عن نفسها بمفردها.
وتتبنى عضوا الناتو، النرويج والسويد، نماذج مماثلة، حيث تحتفظ كل منهما بأعداد كبيرة من جنود الاحتياط، ولكن العدد ليس كبيرًا مثل فنلندا.
تجنيد إجباري منذ عام 1901
قالت مديرة الاتصالات في الوكالة التي تساعد في اختبار المجندين، وتقديم التقارير إلى وزارة الدفاع السويدية، مارينيت نيه رادبو، إن البلاد تنفذ التجنيد الإجباري منذ عام 1901، لذا فهو جزء من ثقافة المجتمع.
وأفادت “رادبو”، بأنه عندما تم تفعيل التجنيد الإجباري من جديد، قلنا في البداية أن التجنيد جيد لسيرتك الذاتية، وللتقدم لوظيفة جديدة، ولكن الاتصالات الآن أصبحت أشبه بأن هذا واجب يجب القيام به من أجل السويد.
وجندت البلاد، 7000 فرد في عام 2024، بينما سيرتفع العدد إلى 8000 في عام 2025، وفقًا للقوات المسلحة السويدية.
مدى استعداد الناتو للحرب؟
راجع حلف شمال الأطلسي، استراتيجيته وتعزيز قدراته خلال العشر سنوات الماضية، ردًا على التهديد المتزايد من موسكو.
ودفع هجوم روسيا على أوكرانيا في فبراير عام 2022، والذي أعقب دعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، دفع الحلفاء بالناتو إلى إعادة تقييم ما إذا كانوا مستعدين للحرب وتعزيز دفاعاتهم، ولكن هناك دعوات للحلفاء لزيادة قدراتهم بشكل أكبر وأسرع.
وقالت المتحدثة باسم الناتو، فرح دخل الله، إنه منذ عام 2014، شهد الحلف أهم تحول في دفاع الجماعي منذ جيل واحد، وتم وضع الخطط الدفاعية الأكثر شمولًا منذ الحرب الباردة، ويوجد خلال الوقت الراهن أكثر من 500 ألف جندي في حالة استعداد.
وصرحت “دخل الله”، لشبكة CNN، بأن الطريقة التي يتم بها تجنيد الأفراد العسكريين وتدريبهم هو قرار يخص كل دولة على حدة، موضحة أنه نحو ثلث أعضاء الحلف لديهم شكل من أشكال الخدمة العسكرية الإجبارية.
وذكرت المتحدثة باسم الناتو، أن بعض الحلفاء يفكرون في التجنيد الإجباري، لكن الحلف ذاته لا يفرض الخدمة العسكرية الإلزامية، ولكن المهم هو امتلاك الدول الأعضاء قوات مسلحة قادرة على حماية أراضينا وسكاننا.
ومن الممكن أن يصبح الوضع أكثر تعقيدًا مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، في حال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وقال “ترامب”، في وقت سابق، إنه سيشجع روسيا على القيام بكل ما تريده بحق أي دولة في حلف الناتو، حال عدم وفائها بالمبادئ التوجيهية للإنفاق الدفاعي للكتلة.
وشهد هذا العام، تجمع قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية لإحياء ذكرى يوم الإنزال، في فرنسا، بحضور زعماء الحلف، وربما يكون البعض منهم للمرة الأخيرة، ويتعين على أحفادهم أن يتحملوا المسؤولية الآن.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي