إبداعات عربيةعاجل

“التجريب في سرديات يوسف المحيميد ونصوص أخرى” … سيميائية الألوان في روايات جزائرية وسعودية

 

أحمد عبد الحافظ

في كتابه “التجريب في سرديات يوسف المحيميد ونصوص أخرى” اهتم الناقد الجزائري الدكتور الرشيد بوشعير بفحص وتحليل مجموعة من العناصر والقيم النقدية والإبداعية والإنسانية، في روايات سعودية وجزائرية.
اختار بوشعير الروايات بعناية لتعبر عن سعيه للبحث عن، ورصد قيم مثل التجريب، وسيميائية الألوان، والميتاسرد، وتيار الوعي، والراوي العليم، فضلا عن قيم الصدق، والشرف والحب، والوفاء والشهادة، وفي دراسته التي جاءت بعنوان “التجريب في سرديات يوسف المحيميد.. لغط موتى أنموذا” لفت بوشعير إلى أن السبب الذي يقف وراء بعد الكاتب السعودي يوسف المحيميد في رواياته عن الإسراف والتزامه بالإيجاز والتكثيف يرجع إلى أنه دخل إلى عالم الرواية من بوابة القصة القصيرة، وأشار إلى أن أعماله تتميز بالميل إلى التجريب، وهو ما يتراءى تحديداً في نصوصه التي تحمل عنوان “لابد أن أحداً حرّك الكراسة” ويتجاوز فيها حدود الأنواع الأدبية، أما رواية “لغط موتى” فيجرب فيها المحيميد أسلوب الميتاسرد معالجاً موضوع مكابدات الكاتب ومعاناته في رسم شخوص أعماله السردية، ونسج خيوط أحداثها.
الكتاب صدر حديثا بالقاهرة عن دار صفصافة للنشر والتوزيع، ويتضمن خمسة دراسات، وتناول في الأولى رواية “لغط موتى”، وقال إنها تعد رواية تجريبية بامتياز رغم أن كاتبها اعتمد استراتيجية في الكتابة سبقه إليها الكاتب الإيطالي “لويجي بيرانديللو” في مجال المسرح، وهو يكتب مسرحيته “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”، حيث يعرض مأساة عائلة يتشتت أفرادها ثم يجمع شملهم من جديد، ويعن لهم أن يبحثوا عن كاتب بارع يستطيع أن يصيغ قصتهم المحزنة، فيجدون ضالتهم في مخرج مسرحي.
وذكر بوشعير أن رواية لغط موتى التي أصدرها المحيميد قبل عشرين عاما، ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب، تحتشد بالأصوات المختلطة المتصاعدة التي تستعصي على التمييز، ويشرع المحيميد، خلال فصولها، في رسم شخصياتها العنيدة التي ترفض أدوارها المنوطة بها، وتعاتبه باستمرار، ومن هذه الشخصيات “مسعود” الذي يجذبه من يده، وهو يشير إلى بناء فخم «بابه مردوم بسلاسل تتهدل لتمس الرصيف، وأشجاره الضخمة فائقة وذاوية، ويقول له “لماذا لم تذكر أنني عملت هنا سائقاً، وأنني انتظرت صاحب المنزل في السيارة مع الكلاب الضالة”، وهناك “موضي” بنت “مسعود” التي يروي الكاتب أطرافاً مخزية من سيرتها، كما ترد أيضا شخصية البنت الصغرى أخت “موضي” التي لم يمنحها الكاتب اسماً فتواجهه معاتبة معرفة بنفسها بأنها “مزنة”، وأنه قصر في رسمها وتوظيفها في الرواية.

وعلى هذا النحو يستمر الكاتب في سرد حكايات عجائبية، كحكاية خروج الأموات من أجداثهم بمقبرة القرية، وركضهم خلف موضي، وحكاية الرجل المتبوع بالحمائم الذي ضل طريقه إلى بيته ولم يعد يعرف له أثر، وحكاية الحفيدين اللذين اختفى أحدهما فجأة، بينما تحول الآخر إلى “بعوضة ضخمة”، وقد يحتدم الخلاف بين الكاتب وشخوص روايته فيتطاولون عليه ويتهمونه بالغباء والإخفاق في الكتابة، ويشتمونه أحياناً.
أما عن التيمة الرئيسة في “لغط موتى” فكانت تيمة الكتابة وأسرارها ومكابداتها؛ فالراوي في النص السردي يسعى إلى الكتابة ولا تسعى إليه، ويدخل خلال السرد في صراع طريف مع شخوص مشروعه الذين كانوا غير راضين عن الأدوار التي أسندها إليهم والملامح التي أضفاها عليهم.

الناقد الجزائري الرشيد بوشعير
الناقد الجزائري الرشيد بوشعير

وفي دراسة بعنوان “سيميولوجيا اللون في رواية جاهلية” للكاتبة السعودية ليلى الجهني، يذكر بوشعير أن الرواية ثرية في دلالاتها، وقد وظفت الألوان بوعي، وشحنتها بإيحاءات ودلالات بليغة، واعتمدت الجهني أساليب وتقنيات سردية معاصرة، استخدمتها ببراعة، ومنها تعدد الأصوات الذي يتجلى في تعدد الخطابات والمواقف والأفكار التي تصب في سيمولوجيا الرواية.
وتدور أحداث هذه الرواية حول شخصية “لين” الفتاة التي ابتليت بشقيقها “هاشم” المدلل المفضل لدى والديه، وقد بلغت “لين” الثلاثين من عمرها، وبعد أن درست وتخرجت في الجامعة حصلت على وظيفة في دار الرعاية الاجتماعية بالمدينة المنورة، وهناك تعرفت على “مالك” الشاب الأسود الذي كان ينشر مقالات واستطلاعات في الجرائد، واتفقا على الزواج، ولكن شقيق “لين” الذي كان يتجسس عليها يطلع على بعض رسائله إليها فيتحرى حتى يعرف منزله، ويستعين بصديقه القديم “أيمن” كي يترصدا حركاته ويضرباه ضرباً مبرحاً حتى يدخل المشفى، ويوضع في قسم، العناية المشددة.
وبعد معاناة “لين” التي أوشكت أن تصاب بمس من الجنون، ينجو “مالك” من الموت ويتماثل للشفاء ويريد أن يطلبها من والدها، ولكن والدها يرفض خوفاً على مستقبل ابنته وخوفاً من حدة المواضعات الاجتماعية التي تقوم على التمييز العنصري والعصبية القبلية.
وتتعدد الألوان في سياق السرد في رواية “جاهلية”، ويأتي في مقدمتها اللون الأسود، والذي يعد حجر الزاوية في سلم الدلالات السيميولوجية للألوان، أما عن اللون الأبيض فيتجلى بأسلوب غير مباشر من خلال أطروحة اللون الأسود المناقض، ويسيطر اللون الأزرق في المستشفى الذي يرقد فيه مالك للعلاج من إصاباته، ويوحي بالموت والجمود والتشاؤم بنظر بطلة الرواية، كما يرد اللون الأصفر عرضاً في سياق التعبير عن انشغال لين بمالك، وهي تتأمل في الضوء المنبعث من المصباح.

دراسته حول الخطاب الأيديولوجي

وفي دراسته حول الخطاب الأيديولوجي في رواية “عام 11 سبتمبر” ما لم يحدث في أمريكا لعبدالعزيز غرمول، قال بوشعير إن أحداث الرواية تدور حول “منصور” العميل المزدوج الذي ارتضى القيام بهذا الدور في أثناء العشرية السوداء بالجزائر، كان ينقل معلومات إلى بعض الجماعات المسلحة التي كانت تناوئ نظام الحكم بالجزائر، وفي الوقت نفسه يزود أجهزة المخابرات الرسمية بمعلومات عن تلك الجماعات، ويسلم بعض الجماعات المسلحة للعسكر، ويسلم بعض العملاء المزدوجين إلى الجماعات المسلحة، كان منصور يأتمر بأمر الشيخ عبدالله أمير جماعة متطرفة لا تسعى إلى تقويض نظام الحكم في الجزائر فحسب، وإنما تسعى إلى زعزعة الأمن في أمريكا، وكانت مهمة منصور تهريب أسلحة وأموال ووثائق وجوازات سفر مزورة في حقيبة ينقلها مع مهربي البضائع من “مالاقا” إلى “مغنية” بالشواطئ الجزائرية، ثم إلى قرية واد امليح بمنطقة متيجة، وفي هذه القرية المعزولة تنسج خيوط مؤامرات وصراعات بين الجماعات المتطرفة التي كانت كل واحدة منها تسعى إلى الحصول على الأسلحة والأموال والنفوذ ولا تتورع عن إراقة الدماء والتناحر فيما بينها.
وصنف بوشعير الكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح في دراسته “سيميولوجيا القيمة في رواية “وطن من زجاج” ضمن كتاب الحرب الأهلية التي اصطلح على تسميتها “بالعشرية
السوداء “، وتتبع فيها القيم التي تخلخلت تحت وطأة الحرب الدامية التي استنزفت الجزائر طوال عشر سنوات، وذكر أنها تكاد تتخذ من القيم أطروحة، رابطة انهيارها بترنح الوطن، أما عن الأحداث الروائية فيسردها راو لم تحرص الكاتبة على منحه اسماً صريحاً، بل قدمته من خلال لقبه الغريب الذي كان الناس يطلقونه عليه، وهو “لاكامورا”، أي من لا حق له في الموت براحة، كان يتيم الأبوين، نشأ في كنف جده الإقطاعي الحاج عبدالله الصارم المستبد الذي كانت تربطه مصالح مشتركة برئيس البلدية.
وقد أعجب معلم القرية بالطفل “لاكامورا” النابه، فدعاه إلى منزله كي يتعرف على ابنه “النذير” وابنته، ويتواطأ كل من الحاج عبدالله ورئيس البلدية فيكيدان للمعلم، ويتهمانه بالتطاول على أسياده، ويتسببان في فصله من منصبه، فيضطر للعمل حمالاً في ميناء المدينة، ويموت معتلاًّ.
وعندما يكبر “لاكامورا” ويتخرج من الدراسة يعمل في مجال الصحافة، وتقوده الأحداث للقاء “النذير” صديقه القديم الذي كان يعمل في المجال نفسه، ويسعى للتواصل مع أخته التي كان يكتم حبه الأول لها، ويبتهج عندما يعرض عليه “النذير” العمل معه بصحيفة “مدى الجزائر”، وتتوثق عرا الصداقة بينهما، فيدعوه إلى زيارة منزله، وهناك يلتقي أخته التي أصبحت طبيبة، ويكتشف أنها مخطوبة لضابط شرطة، لكن ومع تتابع وقائع الاغتيالات، يقتل النذير، وتنتهي الرواية بعودة الأمل إلى الراوي في الارتباط بحبيبته، على إثر اغتيال خطيبها الضابط.
وفي دراسة حول “مدى اتساق وانسجام الخطاب في نص “الممثل”.. لشريفة فداج” يقول بوشعير إنه يعد نموذجاً جيداً لتقاطع أو تماهي نوعين أدبيين، وهما الرواية والمسرحية، في بوتقة واحدة، ولكن هذه النصية لا تلغي الطبيعة السردية للعمل الذي اتكأت فيه الكاتبة الجزائرية على تيمات متعددة مثل المسرح، والاغتراب، والرغبة في الهجرة، والفساد، والسياحة، والفقر، والعنصرية، ولم تعالج الكاتبة كل واحدة منها في فصل مستقل، وإنما كانت متناثرة عبر المتن النصي من البداية حتى النهاية.

 

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى