أخبارحول الخليجعاجل

الخيارات الإيرانية المحدودة.. كيف سترد طهران على اغتيال هنية دون إشعال حرب؟

 

تقرير: علي الجابري

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا خطيرًا في التوترات بعد اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب، إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران.
ومع تزايد الدعوات لضبط النفس من قبل المجتمع الدولي، تجد إيران نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في كيفية الرد على هذا الاغتيال بطرق تحقق لها مكاسب سياسية دون الانجرار إلى حرب واسعة النطاق قد تجر المنطقة إلى دوامة عنف جديدة.
وفي الوقت الذي يستعد فيه حزب الله للانتقام ويعزز من وجوده على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، تبدو المنطقة على حافة هاوية، وسط ترقب عالمي لما ستؤول إليه الأمور في الأيام المقبلة.

اغتيال إسماعيل هنية
اغتيال إسماعيل هنية

الرد الإيراني المحتمل

تشير التقارير إلى أن إيران تعكف حاليًا على دراسة الخيارات المتاحة أمامها للرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وسط ضغوط دبلوماسية مكثفة من المجتمع الدولي الذي يحثها على تجنب أي رد فعل قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة. وتتعرض طهران لمطالبات من حلفائها وأعدائها على حد سواء بضرورة ضبط النفس، وسط مخاوف من أن يؤدي أي عمل انتقامي إلى اندلاع نزاع واسع النطاق قد يمتد إلى دول أخرى في المنطقة.
في هذا السياق، تركز إيران جهودها على الرد بشكل يستهدف المسؤولين المباشرين عن عملية الاغتيال، مع احتمال كبير بأن يكون ردها مركزًا على وكالة الموساد الإسرائيلية والأجهزة الأمنية المرتبطة بها، والتي تتهمها طهران بالوقوف وراء العملية. وقد يتمثل هذا الرد في هجمات محدودة أو عمليات سرية ضد أهداف إسرائيلية، بهدف إرسال رسالة قوية دون التسبب في تصعيد كبير قد يؤدي إلى حرب شاملة.
على الرغم من هذه الضغوط، فإن إيران تواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين الرد على عملية الاغتيال وبين تجنب الانجرار إلى مواجهة أوسع مع إسرائيل، قد تستغلها أطراف دولية وإقليمية أخرى لتحقيق مصالحها. وبينما تواصل طهران مشاوراتها مع حلفائها الإقليميين، لا يزال الغموض يكتنف نوعية الرد وحجمه، مما يزيد من حالة الترقب والحذر في المنطقة.

موقف الدول الإسلامية

رغم حالة الغضب العارم التي سادت العالم الإسلامي إزاء اغتيال إسماعيل هنية، إلا أن إيران لم تتلق دعمًا واضحًا من الدول الإسلامية للقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل. ففي اجتماع طارئ عقدته منظمة التعاون الإسلامي في جدة هذا الأسبوع، أجمعت الدول الأعضاء على إدانة شديدة لعملية الاغتيال، غير أن الاجتماع انتهى دون صدور أي تأييد رسمي لتحرك عسكري إيراني.

خلال الاجتماع، دعا وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار إلى ضرورة التحلي بالهدوء واتباع المسار الدبلوماسي في التعامل مع الأزمة. وحذر دار من أن أي خطوة انتقامية قد تكون ذريعة لتحقيق أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى إشعال حرب واسعة النطاق في المنطقة لخدمة أجندته السياسية.
وعكس موقف الدول الإسلامية خلال الاجتماع حرصها على تجنب التصعيد العسكري، في ظل تزايد المخاوف من أن يؤدي اندلاع حرب جديدة في المنطقة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية، وزيادة معاناة المدنيين. بدلاً من ذلك، تم التركيز على الحاجة إلى تعزيز العمل الدبلوماسي وتكثيف الجهود الدولية للضغط على إسرائيل ومحاسبتها عبر القنوات القانونية الدولية.

تحضيرات إسرائيلية

من جانبها، بدأت إسرائيل في اتخاذ تحضيرات مكثفة استعدادًا لاحتمال تعرضها لهجوم من إيران أو حزب الله. وأعلنت السلطات الإسرائيلية أنها عززت إجراءاتها الدفاعية في المناطق الشمالية من البلاد، تحسبًا لأي تصعيد محتمل. تضمنت هذه التحضيرات نشر أنظمة دفاعية متقدمة وتكثيف الدوريات العسكرية، بالإضافة إلى رفع مستوى التأهب في القواعد العسكرية المحاذية للحدود اللبنانية.
اتخذت إسرائيل خطوات إضافية لضمان جاهزية البنية التحتية الصحية للتعامل مع تداعيات أي مواجهة عسكرية، حيث أعدت المستشفيات في شمال إسرائيل ولبنان لاستقبال أعداد كبيرة من الجرحى في حال اندلاع القتال. تأتي هذه الإجراءات كجزء من استراتيجية أوسع لضمان الاستجابة السريعة لأي تطورات مفاجئة قد تطرأ على الساحة.
ورغم هذه التحضيرات المكثفة، لم تصدر الحكومة الإسرائيلية أي تعليمات طارئة للمدنيين، حيث تسعى لتجنب إثارة الهلع أو إعطاء إيران وحزب الله فرصة لاستغلال الوضع لتغيير خططهما. هذه الخطوة تعكس رغبة إسرائيل في الحفاظ على هدوء نسبي بين السكان، بينما تستعد في الوقت نفسه لمواجهة أي تهديدات محتملة.

دور حزب الله

تشير التقارير إلى أن حزب الله قد يكون في طور التحضير لرد انتقامي على اغتيال أحد قادته العسكريين البارزين، فؤاد شكر، الذي قُتل في غارة إسرائيلية استهدفت بيروت الأسبوع الماضي. ورغم عدم وضوح تفاصيل الرد المتوقع، تزداد التوقعات بأن الحزب لن يدع هذا الهجوم يمر دون رد، مما يعزز احتمالية تصعيد التوترات في المنطقة.

اغتيال فؤاد شكر القيادي في حزب الله
اغتيال فؤاد شكر القيادي في حزب الله

من جانبها، تتوقع إسرائيل أن حزب الله مصمم على تنفيذ هجوم انتقامي رداً على مقتل شكر، وهو ما يضع القوات الإسرائيلية في حالة تأهب قصوى. ومع ذلك، يبقى مستوى التنسيق بين حزب الله وإيران في هذه المرحلة غير واضح، حيث تشير بعض التحليلات إلى أن الحزب قد يتصرف بشكل مستقل في رده، بينما ترى أخرى أن أي خطوة قادمة قد تأتي في إطار استراتيجية إيرانية أوسع تهدف للرد على سلسلة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة.
في ظل هذا الغموض، تبقى الأوضاع في لبنان والمنطقة المحيطة بها متوترة، حيث يتابع المراقبون عن كثب تحركات حزب الله وتطورات الموقف الإيراني، في انتظار ما قد يحدث من تصعيدات تؤثر على الاستقرار الإقليمي.

الجهود الدبلوماسية

في محاولة لاحتواء الأزمة، اقترحت ماليزيا خلال اجتماع جدة عقد دورة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ودعت إلى تعزيز الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن سياسة الاستيطان الإسرائيلية. وفي سياق متصل، عقد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اجتماعين مع نظيره الإيراني علي باقري، حيث أكد الصفدي على موقف الأردن الرافض لتحويل أراضيه إلى ساحة حرب، مشددًا على أن الأردن سيسقط أي صواريخ أو مسيرات تدخل مجاله الجوي في طريقها إلى إسرائيل.

المواقف الدولية

من جانبها، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من تصاعد التوترات وأرسلت رسائل إلى إيران تحذرها من أن أي هجوم على إسرائيل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، كما أعادت واشنطن تشكيل التحالف العسكري الذي دافع عن إسرائيل خلال المواجهة الأخيرة في أبريل الماضي.

وعلى الصعيد الأوروبي، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالًا بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، داعيًا إلى تجنب دوامة العنف.

ماكرون
ماكرون

وفي بريطانيا، أرسل وزير الخارجية ديفيد لامي رسالة إلى إيران يدعو فيها إلى خفض التوتر.

التوقعات المستقبلية

تواجه إيران تحديًا معقدًا يتمثل في كيفية الرد على اغتيال هنية بطريقة تضمن لها تحقيق مكاسب سياسية دون الانجرار إلى حرب واسعة النطاق مع إسرائيل.

في ظل غياب الدعم الدولي لأي عمل عسكري، تبدو الخيارات أمام طهران محدودة، فيما تبذل القوى الدولية جهودًا دبلوماسية حثيثة لمنع تصاعد العنف وتجنب نشوب صراع شامل في المنطقة.
وفي الوقت ذاته، يواصل حزب الله تعزيز وجوده العسكري على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، مما يرفع من احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية واسعة. ومع تزايد التوترات، يرى بعض المحللين أن حزب الله قد يسعى إلى تنفيذ هجوم بري داخل إسرائيل، مستلهمًا من الهجوم الذي شنته حركة حماس في أكتوبر الماضي، مما قد يؤدي إلى تصعيد سريع وخطير في النزاع.
في هذا السياق، يبقى السؤال حول ما إذا كانت الأطراف المعنية ستتمكن من تجنب التصعيد والعمل على احتواء الأزمة من خلال القنوات الدبلوماسية، أو ما إذا كانت المنطقة ستشهد تصعيدًا جديدًا في دائرة العنف التي قد تكون لها تداعيات إقليمية ودولية واسعة.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

 

زر الذهاب إلى الأعلى