الصادق النيهوم جامع المختلف عليه… طموحات سياسية مبتورة وعلاقات متوترة مع الوسط الثقافي
أحمد عبد الحافظ
احتفالا بالذكرى السادسة والعشرين لرحيل الأديب والمفكر والسياسي الليبي الصادق النيهوم 15 نوفمبر 1994م، أصدرت مجموعة الوسيط للإعلام التي تتخذ من القاهرة مقرا لها كتاب بعنوان “الصادق النيهوم.. جامع المختلف عليه”، ضم زادًا إبداعيًا كبيرًا نتج عن النيهوم وأطروحاته، قام بتحريره الروائي والناقد الليبي أحمد الفيتوري، وتضمن مقالات ودراسات بعضها ناقشه واحتفى به، وآخر حاوره واختلف معه، وسعى الفيتوري من خلال الكتاب إلى منح القارئ شيئا من المعرفة بالصادق النيهوم، الصحفي والناشر وصاحب الموسوعات، والمفكر والمبدع.
النيهوم ينفي تأليف الكتاب الأخضر
وقال الفيتوري، في مقدمته للمختارات التي انقسمت لأربعة أقسام “في البدء”، و”دراسات في الأدب والفكر”، و”مقالات”، و”وثائق” “أن القارئ الحصيف سوف يدرك، أن الكتاب يجمع وثائق تدل على الصادق النيهوم، وتؤشر، إلى أنه مبدع ومفكر إشكالي، مثير للاختلاف حول شخصه كما حول أطروحاته، وقد شغل نفسه بالمختلف عليه، منذ نعومة فكره، وبدء إبداعه”، وقد طالته الكثير من الشائعات والتي منها أنه هو الذي ألف الكتاب الأخضر، إلا أنه نفى ذلك في حضور العقيد معمر القذافي نفسه، وكوكبة من الكتاب والمبدعين، كان بينهم إلى جانب الفيتوري، الكاتبة فوزية شلابي، والدكتور رجب بو دبوس، فضلا عن الشاعر إدريس الطيب والكاتب سعد نافو.
قصة هذه الواقعة حكاها الفيتوري في مقال بعنوان “الهيبي والعقيد”، وذكر أن النيهوم كان في صدارة الجلسة، ما يؤشر لأريحية واضحة كان يتمتع بها في حضرة العقيد، ويشير لمكانته الخاصة التي كان يحظى بها لديه، وقد تبين للفيتوري من سياق الجلسة رغم نفي النيهوم أن له دور رئيسي في الكتابة والأفكار، وأن مسودة “ألكتاب الأخضر” قد أُعيد صياغتها دون رضى النيهوم، ولعل هذا ما جعل القذافي يمنح الصادق النيهوم تلك اللحظة الاستثنائية.
علاقة المثقف بالسياسي
ومن بين ما يُثار من قضايا عند الحديث عن الصادق النيهوم “علاقة المثقف بالسياسي”، وقد كان وراء علاقته بالقذافي- والعهدة هنا على الروائي إبراهيم الكوني- الكثير من الطموحات التي رغب أن تقوده للسلطة، لكنه لم يصل إليها، لأن العسكر ذهبوا لها، حسب كلامه، من أقصر الطرق، أما هو فقد سعى إليها من طريق طويل فخسرها. وقد بدأت علاقة النيهوم المميزةٍ بالقذافي، عَقِبَ استيلائهِ على السُلطة بانقلابه العسكري سبتمبر 1969م، في تلك الفترة عقد لقاءً مُوسعاً بالمُثقفين الليبيين، توطدت خلاله العلاقة بينهما، وأمسى أمينَ لجنةِ الدعوةِ والفكر في الاتحاد الاشتراكي، لكن ذلك لم يُرضه، فخرج لبيروت، وهناك كتب خُطاطةً فكريةً نظرية، كحل للمشكل السياسي الاجتماعي، قدمه في كُتيب تحت عنوان “نقاش” للاتحاد الاشتراكي، ولم يتم تداوله بشكلٍ عام، لكن أعتمده القذافي فيما أسماها ب”النظرية العالمية الثالثة”، مستفيدا من أراء الدكتور “عصمت سيف الدولة”، والكاتب السوداني “بابكر كرار”.
الاستعانة بألف ليلة وليلة
لفت الفيتوري إلى أن النيهوم اتخذ منذ رواية “من مكة إلى هنا”، مسارا نوعيا أخر في تجربته الإبداعية، حيث أتجه إلى الكتابة السردية، التي كان فيما سبق يستخدمها ضمن سياق، كتاباته المتنوعة، وبهذه الرواية بدأ مسارًا أكده في كتابه “من قصص الأطفال”، كما استعاد أساليب قديمة للحكي، على منوال ألف ليلة وليلة، لكن بروح جديدة، تدمج الفكر في نسيج المسار الدراما.
مرثية الكوني للنيهوم
في مقال بعنوان “أوليس الذي تنتظره بنيلوب” والذي جاء بمثابة مرثية للصادق النيهوم، تحدث الروائي إبراهيم الكوني عن تاريخ علاقته معه، وقال أنها تعود إلى عام 1968 إبان انعقاد مؤتمر الأدباء الليبيين الأول حيث كان النيهوم نجمه بلا منازع، ثم أشار إلى لقاء جمعه في مؤتمر أدباء المغرب العربي في مارس أذار عام 1969م، وتحدث عن شخصيته الأسطورية المشبعة بالروح البروتستانتية وثقافته الموسوعية، وروح السخرية التي لم يفقدها إلى أخر يوم في حياته.
ولفت الكوني لعلاقة الصادق النيهوم الملتبسة بزملائه الأدباء، خاصة بعد المناقشة العاصفة التي درات بينه وبين الكاتب عبد الله القويري، عام 1973، أثناء مؤتمر الأدباء الليبيين الثاني، وقال إنها خلقت جوا من سوء الفهم بينه وبين الوسط الثقافي في بلاده، استمر حتى بعد أن تخلى النيهوم عن مهامه كأمين للفكر، وانتقاله للإقامة في بيروت؛ وقد ألقى ذلك بظلاله الثقيلة على علاقته بزملائه حتى ساعة رحيله.
تجربة فكرية ملتبسة
أما الكاتب أحمد الماقني فقد خصص مقاله عن “التجربة الفكرية المُلتبسة للكاتب الليبي الراحل، الصادق النيهوم” تحدث فيها عن بروزه ككاتب في بداية الستينيات، ضمن وسط فكري تسيطر عليه المدارس التقليدية في الأدب والفكر، وجاء بروز النيهوم في مجال الفكر نتيجة طبيعية لسيادة الطبقة الليبرالية، التي اعتمد عليها في تسويق أفكاره، وتحرير المقالة الليبية من جمود بنيويتها، ووضعها في إطار جديد، تتداخل فيه الرؤى والمرامي والأبعاد والصور.
وقال الماقني أن “النيهوم وظف تقنية اللغة في الشعر الحر باستخداماتها الرمزية والأسطورية، واستفاد من تطور الأدوات الفنية للرواية العالمية في تحريرها من السردية المباشرة، أما ثورته على العديد من العادات والتقاليد فقد أخذت صورة متطرفة في بعض الحالات.
صورة قلمية لصادق النيهوم
أما الأديب والروائي أحمد إبراهيم الفقيه فقد رسم صورة قلمية للنيهوم، قال فيها إن دخوله لمعترك الحياة الثقافية والأدبية في بلاده كان عاصفا، أزال جزءا من البلادة التي كانت تغلف الناس والاشياء، وأنشأ ضجيجا وصخبا، وأعاد الحياة للساحة الثقافية الخاملة، أما مقالاته فلم تكن تقليدية، لأن مشروعه كان منذ اللحظات الاولى معاديا للتقليد، والتكرار، والروتين، لذا كتب المقالة التي تقترب في شكلها من القصة، والتي أخذ منها قدرتها على التصوير، ورسم النماذج، والشخصيات المثيرة للسخرية والدعابة، كما أخذ من القصيدة جملتها الشعرية المليئة بالايحاءات والرموز، وصنع من كل ذلك، شكلا تعبيريا جديدا، وأسلوبا في معالجة القضايا، مدهشا جذابا، كان في ذات الوقت موجعًا، وحارقًا، يفيض سخرية مريرة لاذعة، تختلط فيها اللغة الهجائية التي تدعو الى التغيير وهدم الابنية القديمة، مع الاحتفاء والاشادة بعناصر الاصالة في النماذج الشعبية التي يتحدث عنها.
وقال الفقيه إن النيهوم عندما انتقل الى كتابة الادب، رواية وقصة قصيرة، استخدم الأسلوب الساخر اللاذع ذاته، وطوعه لخدمة الأشكال الأدبية الراسخة، وأضاف إليها لونا جديدا، انتقى خلاله شخصيات تراثية مثل جحا، وابي زيد الهلالي، والسلطان، في الخرافات الشعبية، وألبسها أردية عصريه، كما فعل في كثير من معالجاته الأدبية، وكان ينتقل من “الفانتازيا” الى الواقع، ومن الواقع الى “الفانتازيا” في لعبة ماكرة، تغيب فيها الحدود بين الاثنين.
وتضمن القسم الثاني من الكتاب مجموعة من الدراسات الأدبية حول إبداعات الصادق النيهوم، منها “من هنا إلى مكة.. يوتوبيا الصادق النيهوم” لسالم العوكلي، و”في مشروع الصادق النيهوم الروائي” لرمزي الزايري، و”الخرافي في الرواية المغاربية المعاصرة، رواية “الحيوانات” للصادق النيهوم – نموذجا” لحميد الجراري، كما كتبت هاجر العبيد دراسة حول “فن الأدب و مفهومه عند الصادق النيهوم”، أما علي حرب فقد تحدث عن “الفكر، ومسألة الصادق النيهوم من يأسر من ؟”، وقدم حسن حنفي مقالا بعنوان “الثورة من جنيف”، وعبد الباسط سيدا “الصادق النيهوم تشخيص شجاع لواقع مضطرب”، ولطيف الحبيب “الصادق النيهوم دفاعا عن كارل ماركس”، وفيصل عبد الحسن “مفهوما المقدس والتنوير في فكر الصادق النيهوم”، ومحمد جلال كشك حول “الديمقراطية التي يبشرون بها” و”النيهوم عندما لا يكفي التمرد” طارق القزيري، و”في نقد الفكر الإصلاحي – نموذج الصادق النيهوم” لإبراهيم ازروال، و”تنوير الصادق النيهوم جدلية الواقع والفكرة” لأسامة آغي، و”في نقدِ الصادق النيهوم: تنويريٌّ أم محافظ؟ تأليف ضو الصغير، و”قضية المرأة.. رجعية الصادق النيهوم وحداثة يوسف القويري” تأليف أحمد البخاري، وتضمن قسم “مقالات” “ربع قرن على رحيل الصادق”، تأليف تركي الدخيل، كما كتب الشاعر الفلسطيني سميح القاسم “تحية إلى الصادق النيهوم” وتضمن قسم “وثائق” مقالات لرياض الريس بعنوان “قبل الرحيل، بعد الرحيل” و”أول مقابلة أجريت مع الصادق النيهوم” حاوره خلالها إبراهيم الكوني، ومقال “الظاهرة النيهومية” لعلي فهمي خشيم، و”الصادق النيهوم رساما” لفتحي العريبي, و”في الذكرى العشرين لرحيل الصادق النيهوم” لمحمد الأصفر ثم “رسائل متبادلة” لصديق رشاد الهوني، فضلا عن أول مقال كتبه النيهوم بعنوان “شعب يكتب تاريخه بالأغنية” وآخر مقال بعنوان “الطفل المسحور”.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي