أخبارحول الخليجعاجل

كيف أثر اغتيال “هنية” على صورة النظام الأمني الإيراني؟

 

تقرير: علي الجابري

في قلب طهران، العاصمة الإيرانية التي كانت تُعرف بكونها حصناً محصناً ضد التهديدات الأمنية، تعرض النظام الإيراني لصدمة عميقة، فحادث اغتيال إسماعيل هنية، القيادي البارز في حركة حماس، خلال مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، سلط الضوء على اختراق أمني غير مسبوق كشف عن هشاشة النظام الأمني الإيراني، وهذا الهجوم الذي وقع في دار ضيافة محصنة تابعة للحرس الثوري، عكس مدى تعقيد الاختراق الذي تعرضت له إيران.
ومما يعكس الفشل الكبير للأجهزة الأمنية الإيرانية في حماية واحدة من أكثر المواقع أمنا في البلاد، أن المنطقة التي شهدت الهجوم كانت محصنة للغاية، حيث عزز الحادث من المخاوف بشأن قدرة إيران على مواجهة التهديدات الخارجية، وفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى فعالية نظام الأمن والاستخبارات الإيراني.
وأشار الهجوم إلى اختراق عميق من قبل الموساد الإسرائيلي، ويعزز المخاوف من وجود جواسيس داخل إيران، ربما في مناصب رفيعة. هذا الاختراق يعيد إلى الأذهان تصريحات سابقة للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي أكد في عام 2021 أن المسؤول الأعلى لمكافحة التجسس في وزارة الاستخبارات الإيرانية كان عميلاً لإسرائيل. هذه التصريحات تسلط الضوء على المشاكل المستمرة في نظام الأمن الإيراني.
تأثير هذا الاختراق ليس مجرد مسألة أمنية فحسب، بل هو تهديد كبير لصورة إيران كقوة أمنية وعسكرية، فالهجوم يعرض النظام الإيراني ومرشده الأعلى علي خامنئي لموقف محرج، ويهدد بنسف صورة إيران كداعم للأمن والاستقرار في المنطقة. في أعقاب الهجوم، أصدرت السلطات الإيرانية أوامر باعتقال أكثر من 20 شخصًا، بينهم ضباط استخبارات رفيعو المستوى، ولكن تفاصيل هؤلاء المعتقلين والمشتبه بهم تبقى غامضة، مما يزيد من تعقيد الوضع ويبرز التحديات التي تواجهها إيران في معالجة الفشل الأمني.
والعملية التي نفذها الموساد الإسرائيلي، والتي شملت زرع عبوات ناسفة واستخدام عملاء إيرانيين، تشير إلى مستوى عالٍ من التخطيط والتنسيق، مما يزيد من أهمية التعامل مع الفشل الأمني كأولوية أكبر من الرد العسكري على إسرائيل.

نفوذ الموساد

لقد أبرز اغتيال إسماعيل هنية في طهران مدى نفوذ إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية داخل إيران، مشيرًا إلى قدرة الموساد على استقطاب عملاء وجواسيس إيرانيين، وعكس هذا الحادث قدرة الموساد على تنفيذ عمليات دقيقة ومعقدة داخل إيران.
وفي مقابلة تلفزيونية عام 2020، أشار وزير الاستخبارات الإيراني السابق، علي يونسي، إلى أن إسرائيل لم تستهدف السلطات السياسية بعد، مما أتاح للموساد توجيه ضربات متكررة وتهديد المسؤولين الإيرانيين. كما أوضح أن هذا الإهمال سمح للموساد بتعزيز قدرته على تنفيذ عمليات داخل إيران.

علي يونسي
علي يونسي

وفي عام 2021، عزا يونسي الخلل الأمني الكبير إلى تأسيس أجهزة استخبارات جديدة ومتعددة، مما قوض وزارة الاستخبارات وساهم في تسلل الموساد إلى داخل إيران. هذه الوضعية تعكس ضعف التنسيق والتكامل بين الأجهزة الأمنية الإيرانية.
وكشف حادث مقتل هنية عن فجوة كبيرة في جهاز الاستخبارات والأمن الإيراني، حيث أصبح بعض العاملين فيه عملاء للموساد، مما يسبب إحراجًا كبيرًا للنظام الإيراني. هذا الاختراق يعكس ضعفًا في قدرة إيران على حماية أمنها الداخلي.

اختراقات متعددة

اغتيال إسماعيل هنية في طهران يُعتبر أحدث حلقة في سلسلة عمليات نفذها الموساد الإسرائيلي داخل إيران. هذه السلسلة تشمل اختراقات للمؤسسات الأمنية ومنشآت نووية، مما يكشف عن ثغرات خطيرة في الأنظمة الأمنية الإيرانية.
وقد كشف وزير خارجية أمريكا السابق، مايك بومبيو، في مذكراته عن عملية سرقة الأرشيف النووي الإيراني، التي تمت بالتنسيق الكامل مع الموساد الإسرائيلي، ومشاركة عملاء إيرانيين. هذه العملية تسلط الضوء على مدى اختراق الموساد لأكثر المواقع الأمنية تحصينًا في إيران.
وتشير الاغتيالات الأخيرة وتزامنها مع العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023، إلى وجود عمل مشترك منهجي لتصفية القيادات الإيرانية في الشرق الأوسط. هذا التعاون قد يشمل أطراف إيرانية داخلية تتشارك مع إسرائيل في تنفيذ الاغتيالات، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذا التواطؤ.
ويفسر العديد من الخبراء هذا التواطؤ بوجود معارضين داخل إيران للنظام الحاكم المتشدد، الذي يعيق تحسين العلاقات مع الدول المجاورة والغرب. الأعباء الاقتصادية والسياسية والعسكرية لدعم الأذرع الإقليمية، مع معاناة إيران من معدلات تضخم وبطالة مرتفعة، تساهم في تعقيد الوضع.
ويستقطب الموساد الإسرائيلي العملاء الإيرانيين مقابل مبالغ مالية كبيرة، مما يحفزهم على التواطؤ وتنفيذ عمليات لصالح إسرائيل. هذا يشكل تحديًا أمنيًا كبيرًا لإيران ويبرز ضعفها في مواجهة عمليات الاستخبارات الأجنبية.
ويعزز الهجوم من المخاوف من وجود تواطؤ داخلي ويعكس التحديات الأمنية التي تواجهها إيران في ظل تصاعد التهديدات من إسرائيل، حيث يتطلب الوضع الحالي من إيران إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والاستخباراتية للحفاظ على استقرارها ومكانتها الإقليمية.

تحديات عميقة

إن اغتيال إسماعيل هنية في طهران ليس مجرد حادث أمني، بل هو انعكاس واضح للتحديات العميقة التي تواجهها إيران في مجال الأمن والاستخبارات، فهذا الهجوم، الذي نفذته عناصر الموساد الإسرائيلي بجرأة ودقة، يكشف عن اختراقات أوسع داخل النظام الإيراني ويطرح تساؤلات حول فعالية الإجراءات الأمنية والقدرة على مواجهة التهديدات الخارجية.
ورد الفعل الإيراني، بما في ذلك الاعتقالات والأوامر الصادرة، يعكس الإرباك الذي تعيشه السلطات في محاولة لحماية أمنها الداخلي واستعادة السيطرة على الوضع، ومع ذلك، فإن هذا الهجوم يعزز من الحاجة إلى مراجعة شاملة للاستراتيجيات الأمنية والإجراءات الاستخباراتية في إيران.
وفي ظل التصاعد المستمر في التهديدات والعمليات المعقدة التي تنفذها أجهزة الاستخبارات الأجنبية، يتعين على إيران اتخاذ خطوات جادة لإصلاح وتحديث أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، وذلك لأن الفشل في معالجة هذه القضايا قد يهدد استقرار النظام الإيراني ويضعه في موقف دفاعي مستمر، مما يؤثر على دوره ومكانته في الساحة الإقليمية والدولية.
الخلاصة، أن هذا الهجوم هو جرس إنذار للأمن الإيراني ويبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم الاستراتيجيات الأمنية والتعاون الإقليمي لضمان حماية الأمن الداخلي والتصدي للتحديات المستقبلية بفعالية.

 

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى