استجابة محدودة من دول الخليج تجاه الأزمة السودانية.. استعراض للمواقف والإجراءات الأخيرة
تقرير: علي الجابري
في خضم الأزمة الإنسانية الطاحنة التي يشهدها السودان منذ أبريل 2023، والتي أسفرت عن تدهور كارثي في الأوضاع المعيشية للسكان، برزت دول الخليج كمشاركين رئيسيين في السعي لتخفيف معاناة الشعب السوداني.
ومع ذلك، فإن الاستجابة الخليجية للأزمة، رغم ما تحتويه من جهود إنسانية ودبلوماسية، تظل محاطة بالعديد من التساؤلات حول فعالية هذه الخطوات وتقديمها للدعم الكافي.
يستعرض هذا التقرير موقف دول الخليج تجاه الأزمة السودانية من خلال تسليط الضوء على الإجراءات المتخذة، والمبادرات الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية التي قدمتها.
كما يتناول التقرير الجوانب التي تبرز حدود استجابة الخليج، من ضعف التنسيق والتكامل بين الدول، إلى نقص الدعم المالي واللوجستي، والتأثير المحدود على جهود السلام والسياسة.
وفي ظل هذا المشهد، تتضح الحاجة الماسة إلى خطوات أكثر شمولية واستراتيجية لضمان تحقيق تأثير فعّال وملموس في دعم السودان ومساعدته على تخطي الأزمة الراهنة.
مواقف وخطوات دول الخليج تجاه الأزمة السودانية
السعودية
أكدت المملكة العربية السعودية التزامها بدعم السودان ومساندة جهود المجتمع الدولي في معالجة الأزمة الإنسانية. في بيان صادر عن وزير الإعلام السعودي، سلمان بن يوسف الدوسري، أكدت السعودية أنها تعمل مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية ضمن جهود دبلوماسية لدعم السودان ووقف الأعمال العدائية. وتأتي هذه الخطوات في إطار تنفيذ نتائج محادثات جدة السابقة والقانون الإنساني الدولي. كما أكدت السعودية على استمرار الجهود لتأمين وصول المساعدات الإنسانية وتخفيف المعاناة في ظل الوضع المتدهور.
الإمارات
دعت الإمارات إلى استمرار الجهود المشتركة في سويسرا لإعادة فتح خطوط الإمداد الأساسية للغذاء والدواء إلى السودان. في بيان مشترك مع الولايات المتحدة وسويسرا والسعودية ومصر والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، شددت الإمارات على أهمية حماية المدنيين وعمال الإغاثة، وأعربت عن تضامنها مع العاملين في المجال الإنساني الذين يواجهون مخاطر كبيرة أثناء تقديم المساعدات. البيان أعرب أيضاً عن قلقه إزاء الوضع الإنساني المتدهور، ودعا الأطراف المتنازعة إلى احترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي.
الكويت
استجابت الكويت للأزمة السودانية من خلال إطلاق الجسر الجوي الإغاثي، حيث أرسلت طائرة محملة بـ10 أطنان من المواد الغذائية لدعم النازحين في السودان. وصرح عبد الرحمن العون، المدير العام لجمعية الهلال الأحمر الكويتي، أن هذه المساعدات تأتي استجابة لتوجيهات أمير الكويت، وتهدف إلى سد النقص في الغذاء والإيواء والدواء. الكويت أكدت استمرار الرحلات الإغاثية بالتنسيق مع وزارة الخارجية الكويتية والقوة الجوية، إضافة إلى الهلال الأحمر السوداني.
البحرين
رحبت البحرين بالجهود الدولية لدعم الوضع الإنساني في السودان، وأثنت على قرار مجلس السيادة الانتقالي السوداني بفتح معبر أدري الحدودي لإيصال المساعدات الإنسانية. وزارة الخارجية البحرينية دعت إلى توفير الحماية للعاملين في المجال الإغاثي، وأكدت دعم البحرين لسيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه، مما يعكس التزام البحرين بمساعدة الشعب السوداني في ظل الأزمة.
قطر
أعربت قطر عن ترحيبها بقرار فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المتضررين في دارفور. وزارة الخارجية القطرية أكدت على أملها في أن يسهم هذا القرار في تسهيل انسياب المساعدات، وأعادت التأكيد على دعمها لوحدة واستقرار وسيادة السودان وسلامة أراضيه.
موقف محدود تجاه الأزمة السودانية
على الرغم من الجهود المبذولة من قبل دول الخليج لدعم السودان في خضم الأزمة الإنسانية الراهنة، إلا أن الاستجابة الخليجية يمكن اعتبارها محدودة في عدة جوانب، مما يثير تساؤلات حول فعالية وتأثير هذه الجهود.
1. ضعف التنسيق والتكامل بين الدول الخليجية:
وتواجه دول الخليج تحديات في تنسيق جهودها تجاه الأزمة السودانية بشكل موحد وفعال. بينما تقوم كل دولة بخطوات منفصلة، مثل إرسال المساعدات الإنسانية أو الضغط على الأطراف المتنازعة، فإن غياب استراتيجية منسقة يعوق تحقيق الأثر الكامل لهذه الجهود. التنسيق الأفضل بين الدول الخليجية يمكن أن يساهم في تعزيز فعالية المساعدات وتوجيهها بشكل أكثر كفاءة.
2. نقص الدعم المالي واللوجستي الكبير:
وعلى الرغم من تقديم المساعدات الغذائية والإغاثية من قبل الكويت والسعودية والإمارات، فإن حجم الدعم المقدم مقارنةً بحجم الأزمة يعتبر محدوداً. الأزمة الإنسانية في السودان تتطلب دعماً مالياً ولوجستياً كبيراً لتلبية الاحتياجات الأساسية لملايين المتضررين. استجابة الخليج في هذا الصدد تظل دون المستوى المطلوب لمواجهة حجم الأزمة وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة.
3. تأثير محدود على جهود السلام والسياسة:
ورغم التصريحات الداعمة والبيانات التي تدعو إلى الالتزام بالاتفاقات الدولية وحماية المدنيين، فإن الجهود الدبلوماسية الخليجية لم تنجح بعد في تحقيق اختراق ملموس في مسار حل النزاع. إن الفشل في إقناع الأطراف المتنازعة بوقف الأعمال العدائية والالتزام باتفاقات جدة يعكس محدودية التأثير السياسي للدعم الخليجي. تكثيف الضغط الدبلوماسي وتبني استراتيجيات أكثر فاعلية قد يكون ضرورياً لتحقيق تقدم في هذه المسألة.
4. غياب استجابة شاملة ومستدامة:
وتركزت الاستجابة الخليجية بشكل رئيسي على تقديم المساعدات الإنسانية وتوفير الدعم الإغاثي، لكن هناك نقصاً في تقديم حلول شاملة ومستدامة للأزمة. يجب أن تتضمن الاستجابة الخليجية استراتيجيات طويلة الأمد للتعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة، بما في ذلك دعم جهود إعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار السياسي في السودان.
5. قضايا حقوق الإنسان وأمن العاملين في الإغاثة:
ورغم التصريحات الداعمة للعاملين في المجال الإنساني، فإن هناك حاجة إلى إجراءات أكثر فعالية لضمان سلامتهم وحمايتهم في الميدان. إن استمرار الاعتداءات على عمال الإغاثة وعدم حماية المدنيين بشكل كافٍ يعكس ضعف القدرة على تحقيق تقدم ملموس في هذا الجانب، مما يتطلب تحركاً أقوى من قبل دول الخليج لضمان تنفيذ التزامات القانون الإنساني الدولي.
في النهاية، بينما تظل جهود دول الخليج في دعم السودان مهمة، فإن الاستجابة الحالية تظل غير كافية بالنظر إلى حجم الأزمة وتعقيداتها. يتطلب الوضع في السودان استجابة أكثر شمولية وتنسيقاً، بما يشمل دعم مالي ولوجستي أكبر، استراتيجيات دبلوماسية أكثر فاعلية، حلولاً مستدامة للأزمة، وضمان حماية حقوق الإنسان. تعزيز هذه الجهود يمكن أن يسهم في تحقيق تأثير أكبر ودعم أعمق للشعب السوداني في ظل الظروف الحالية.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي