ملف سد النهضة.. مسارات التفاوض والروئ الاستراتيجية لحل الأزمة
أحمد عبد الحافظ
تأتي أهمية قراءة كتاب “محاضرات في ملف السد الأثيوبي ومسارات التفاوض.. رؤية استراتيجية” في ظل التطورات الأخيرة المتلاحقة في عمليات اتمام بنائه، وبلوغه المرحلة الأخيرة وسط متابعة مصرية لما يدور هناك في أديس أبابا من أجل حماية الحقوق المصريين في مياه النيل.
ويستعرض الكتاب، الذي صدر عن مكتبة الإسكندرية، الخبرات المصرية السابقة في إدارة المفاوضات حول العديد من القضايا، وذلك من أجل تأكيد اتجاهات الدبلوماسية المصرية لحل قضية السد، والحصول على الحقوق المصرية في مياه النيل عن طريق التفاوض، وليس طريق أخر، ويسعى الباحثان اللواء طيار الدكتور هشام الحلبي واللواء محمد إبراهيم اللذين شاركا في مادته، ليصدر عن مكتبة الإسكندرية منذ شهور قليلة، إلى رصد ما رشح عن اللقاءات المصرية الإثيوبية السودانية، وما أسفرت عنه؛ حتى الآن، كما يحاولان تقديم نظرة تحليلية للمبادئ التي تحكم الموقف المصري في التعامل مع القضية، وعرض السيناريوهات المستقبلية التي يمكن اللجوء إليها لحل الأزمة في المرحلة المقبلة.
الكتاب كان ثمرة محاضرات نظمتها المكتبة في شهر يوليو الماضي، وقال الحلبي في دراسته التي جاءت بعنوان “طبيعة التفاوض في أزمة السد الإثيوبي ومساراته المستقبلية” إن القاهرة تتحرك في أزمة السد الإثيوبي عن اقتناع أساسي مفاده أن مسار التفاوض يُعد أنسب المسارات لحل الأزمة. فهي لم تتوانَ في تقديم المرونة الكاملة طوال السنوات الماضية من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن ومُرضٍ يحقق مصالح الأطراف الثلاثة، كما حرصت أن تبعث برسالة واضحة إلى إثيوبيا، والدول المطلة على نهر النيل، تنطوي على أنه يجب أن يكون مجالاً للتعاون والتنمية، وليس الخلاف أو الصراع، وهي بذلك تعمل على إرساء مبدأ إنهاء الصراعات الإفريقية بالطرق السلمية، وجذب الاستثمارات العالمية من أجل تنمية القارة الإفريقية.
وخلال الدراسة التي قامت بتحريرها الباحثة شيرين جابر، رصد الحلبي عددا من النقاط التي تم تناولها، بعد توضيح “مفهوم التفاوض الدولي”، والتعريفات الخاصة به، والتي تنطوي على ثوابت مشتركة، أساسها السلام وتحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية، وتنميتها استنادًا إلى ما يجمع بين الدول من مصالح مشركة.
وأشار الحلبي إلى أن المفاوضات بدأت في ملف السد الإثيوبي بلقاءات ثلاثية مباشرة بين مصر وإثيوبيا والسودان، لم تصل إلى اتفاق، لكن كل فريق فهم النيات والأسلوب والاسراتيجية والتكتيات الخاصة بالطرف الآخر، وبعد توقف التفاوض دخلت القضية في مفاوضات ثلاثية انسحت أثيوبيا قبل تتويجها باتفاق. وأعقب ذلك حدوث موقفين مهمين، الأول يدعم المصالح المصرية، وكان من جانب الخرطوم عقب الثورة السودانية، أما الموقف الثاني، فيتلخص في انعقاد جلسة في مجلس الأمن، كانت نتيجتها أن أديس أبابا طلبت أن تكون المفاوضات برعاية إقليمية من الاتحاد الإفريقي، وفي ظل وجود مراقبين من الأمم المتحدة والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية، ومتابعة مجلس الأمن، وهذه تمثل نقطة قوة لمصر في المعادلة التفاوضية.
وأوضح الحلبي أن مصر تمتلك قوة تفاوضية أفضل من إثيوبيا، وبالرغم من ذلك لم تتوصل حتى الآن إلى اتفاق، والوقت ليس في صالحها، وهذه نقطة سلبية تستغلها الحكومة الأثيوبية؛ وقد قدمت القاهرة منذ بدء المفاوضات كل أوجه المرونة اللازمة من أجل إنجاح المفاوضات، لكن على الجانب الآخر كان التعنت واضحًا من إثيوبيا، التي لجأت إلى التسويف، واتضح أن استراتيجيتها تقوم على السعي للتأجيل حتى يصبح ملء السد أمرًا واقعًا؛ وهو ما ينطوي على استفزاز للمفاوض المصري، الذي يمتلك استراتيجية واضحة تمامًا، رغم الظروف الإقليمية والدولية المعقدة، التي تستدعي وجود خطة إعلامية لشرح شرعية وقانونية موقف القاهرة ليس فقط للمواطن المصري، لكن أيضًا للإثيوبي، والإفريقي، والأوروبي.
وكشف الحلبي عن السيناريوهات الي تضعها مصر في مقابل إعلان إثيوبيا أنها لن تتوقف عن بناء السد، الأول يتلخص في نجاح المفاوضات التي تتم برعاية الاتحاد الأفريقي، وأن يخرج الجميع مستفيدين. أما في حالة فشله في الوصول إلى مواءمات بين الدول أو اتفاق، سيعود الأمر مرة أخرى إلى مجلس الأمن.
وأشار الحلبي إلى أن واشنطن لم تلجأ لفرض نفوذها على إثيوبيا حتى تشارك في الجولة الأخيرة من مفاوضات واشنطن، لأنها تلتزم بموقف المراقب الذي لا يجب أن يستخدم أي أوراق ضغط على أحد الأطراف.
وفي ورقة بعنوان “الموقف المصري خلال المفاوضات” ذكر اللواء محمد إبراهيم أن القاهرة تتعامل مع قضية السد بمنتهى الجدية، وقد شكلَّت مبكرًا “لجنة عليا للمفاوضات”، تضم ممثلين عن جميع المؤسسات المصرية المختصة بموضوع المياه؛ وخبراء متخصصين، وقد انتهجت المسار السياسي للوصول إلى حل للأزمة، وهو ما يعني أنه لا حديث في القاهرة عن خيار عسكري.
وعن السيناريوهات المستقبلية في حالة فشل المفاوضات برئاسة الاتحاد الإفريقي، لفت إبراهيم إلى أن مصر سوف تلجأ إلى مجلس الأمن مرة أخرى، وقد تتحول الأزمة إلى محكمة العدل الدولية.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي