إبداعات عربيةعاجل

كتاب مسرح العرائس في مصر.. توثيق أفراح المصريين وموالدهم واحتفالاتهم الشعبية منذ العصر المملوكي

 

أحمد عبد الحافظ

 تشير وثائق تاريخية إلى أن مصر عرفت فن العرائس منذ زمن المماليك والحملة الفرنسية، وكان يستخدمها أصحاب الملاعيب والمحبظاتية والمهرجين والراقصين خلال جولاتهم في المناطق والبلاد المختلفة.

 وقال الباحث الدكتور سيد علي إسماعيل في كتابه “مسرح العرائس في مصر” الصادر ضمن مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة، إن “تاريخ الجبرتي” وثق لهذه المظاهر، ووصف صاحبه عبد الرحمن الجبرتي أفراح المصريين وموالدهم واحتفالاتهم الشعبية، ومن بينها حفلات الزواج، وضرب مثلا للتدليل على ذلك، بما جرى سنة 1174 هجرياً 1761 ميلاديًا، خلال حفل زواج أمير الحج  “علي بك بلوط”، والذي أقامه في منطقة بركة الفيل، خلال أيام فيضان النيل، وقتها وضعوا فوق البركة أخشابًا حتى يمشي عليها الناس من أجل الفرجة، وقال الجبرتي “اجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل، وغيرهم من سائر الأصناف، وعلقوا القناديل على جميع البيوت المحيطة بالبركة، وأقاموا في كل بيت ولائم وعزائم وضيافات، واستمرت الاحتفالات شهرًا كاملًا، وبعده تم زفاف العروس في موكب عظيم، شقوا به وسط المدينة بأنواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول.

 ولم تتوقف احتفالات المصريين عند هذا الحد بل امتدت لموالد أولياء الله الصالحين، وكانوا “يدعون لها الناس من البلاد القبلية والبحرية، فينصبون خيامًا كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي، ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الأرياف وأرباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقرادين والحواة، فيملأون الصحراء والبستان ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا، ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر، ويجتمع لذلك أيضا الفقهاء والعلماء، وينصبون لهم خياماً، ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار، بل ويعتقدون ذلك قربة وعبادة”.

الدكتور سيد علي إسماعيل
الدكتور سيد علي إسماعيل

الأراجوز ومحمود شكوكو

ولفت إسماعيل إلى أن تعثر أغلب الباحثين ممن يبحثون حول مسرح العرائس والأراجوز والدمى سببه عدم وجود دراسات نظرية تاريخية حول هذه الفنون، لذلك سعى لأن يكون

هدف كتابه، الذي يأتي ضمن مشروعه التأريخي للمسرح المصري والعربي، اكتشاف الجديد والمجهول وتقديمه ليستفيد به كل طالب علم.

وخصص إسماعيل في الكتاب الذي قسمه إلى خمسة مباحث جزءًأ كبيرا للحديث عن الأراجوز، ومسرح الفنان محمود شكوكو، وذكر أنه من المحتمل، في كل ما ذكره الجبرتي، أن يكون الأراجوز من بين الملاعيب التي كانت رائجة في حفلات الزفاف والموالد والأعياد والاحتفالات الشعبية، وقال إن هناك إشارة موثقة عنه، في كتاب إدوارد وليم لين “عادات المصريين المحدّثين وتقاليدهم”، وعن تاريخ معرفته في مصر، حيث أشار إلى أن الأتراك أدخلوا “قرة قوز” إلى مصر، وجعلوا الدمى تنطق بلغتهم، في عروض مسائية، مسلية جدا لمن يفهمونها من الأتراك.

ويرى الباحث أن الأراجوز المذكور عند أدوارد لين كان يعنى العروسة، وليس الأراجوز المصري ذو الجلباب والطرطور الأحمر، وقد فرق لين بينه وبين الظلال الصينية، وهي التي تعني خيال الظل، لكن هذا التباين لم يكن واضحا لدى الذين يكتبون عن العروض التي كانت تقام في ذلك الوقت في السيرك المصري الذي كان يقع خلف الأوبرا الخديوية، فقد وجد الباحث إعلانا على صفحة كاملة عن عروض فنية، يذكر أن السيرك سوف يقدم “قرة قوز”، ويقول الإعلان “هو خيال الظل يجرى ألعاب مضحكات”، ولم يكن يقدم تلك العروض فنانون مصريون فقط بل أتراك وأجانب أيضا، وكان يجب عليهم الحصول على تراخيص حتى تسمح لهم السلطات المصرية من خلالها بتقديم عروضهم حتى لو كانت للجمهور في الموالد، أما عن المسرح القراقوزي فقد كان الأروام أول من أنشأوا مسرحا مخصصا لتقديم فنونه في مصر عام 1927، وكان موقعه مسرح سميراميس، وقد تحول فيما بعد إلى “سينما بيجال” التي ما زالت حتى الآن في شارع عماد الدين وسط القاهرة.

دور العرائس التعليمي والسياسي

وللأراجوز دور مهم في مراحل العملية التعليمية الأولى، لفت له رائد المسرح الفنان زكي طليمات حيث طالب في تقرير قدمه للجنة سياسة التعليم، بإدخال المسرح المدرسي في مرحلة رياض الأطفال، ليطرق برواياته الصغيرة السهلة أبواب التهذيب الأولى للصغار، وذكر إسماعيل أن وزارة المعارف وقتها أنشأت قسما للأراجوز، صار تابعًا لتفتيش التمثيل بها، وكان يقدم روايات، للمدارس الابتدائية، تتضمن حكايات تتسم بنوع من الوعظ والحكم والتعاليم المفيدة، ورغم بساطة العروض، إلا أن الأراجوز كان له دور سياسي حيث كان يتعرض في سياق تمثيلياته لأهمية الدفاع عن الأرض، وطرد المحتل، ووحدة وادي النيل، والأخوة بين أبناء الوطن. 

زيارات الفرق الأجنبية لمصر

وتعرض الباحث لفرق العرائس الأجنبية التي زارت مصر أواخر خمسينيات القرن الماضي، ودورها في زيادة اهتمام المصرييين بمسرح العرائس، والتفكير في إنشائه، وافتتاحه عام 1957، وذكر أن فرقة هولدن الأمريكية كانت أول فرقة لمسرح العرائس تزور مصر عام 1890، وقد كانت فرقة مرموقة وكبيرة الشأن، وهو ما بدا واضحا من الاهتمام بها والسماح لها بتقديم عروضها على مسرح الأوبرا الخديوية، بعدها توالت زيارات وعروض الفرق الأجنبية، والتي جاءت من إيطاليا وفرنسا، أما الفرق التي زارت القاهرة بعد إنشاء مسرح العرائس في خمسينيات القرن الماضي، فكانت من الصين وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى