كتاب تدوير النص الأدبي.. أزمة التلقي والنشر.. قراءات في نصوص روائية مصرية وعربية
أحمد عبد الحافظ
كان البحث عن جماليات مختلفة تقدمها نصوص الروايات المصرية والعربية للقراء، وهي تشتبك معهم، وتحاول تغيير أفق التوقع لديهم هو أكثر ما سعى له الروائي والكاتب المصري هشام علوان في كتابه “تدوير النص الأدبي… أزمة التلقي والنشر”.
وذكر علوان، في الكتاب الذي انقسم إلى بابين، وصدر عن دار النابغة للنشر والتوزيع بالقاهرة، أن كل نص روائي ما هو إلا عدة نصوص تتنوع باختلاف المتلقي، وهو يعيد تدويره، وطرحه وفقا لرؤاه وتأثره به، بعيدًا عن الروائي “سارده الأصلي”.
ويبني علوان كتابه على نقطة أساسية وهي كيفية تلقي الأعمال الروائية ودور البنية السردية التي يعتمدها الكاتب سواء على مستوى الحدث أو الشخصيات، في التأثير في الذائقة القرائية، ويقول ليس المهم هنا ما ينطق به النص ولا معانيه، ومضامينه التي تظل نسبية، لكن ما يتركه البناء الروائي من أثار شعورية ووقع فني، وجمالي في نفس المتلقي، وهو يعيد إنتاج العمل بتفاعله مع تلك الأثار الشعورية التي يتركها بداخله، حيث لا تكتمل حياة أي نص أو حركته الإبداعية إلا عن طريق القراءة التي ينتج عنها نص أخر ربما لم يكتبه الكاتب، ولم يسع له، من هنا تتعدد النصوص بتعدد المتلقين وتنوع باختلاف ذائقتهم.
تعدد الرؤى والدلالات
وفي الباب الأول يركز علوان على وضع أساس نظري لما سوف يجعله قاعدة تطبيقية لقراءة وتحليل روايات يرى أنها تتسم بالحداثة وتجاوز المعتاد في السرد الروائي، وتبحث عن جماليات مختلفة تسعى لتقديمها للقراء، وتحدث علوان عن التلقي والبناء الروائي، مشيرا إلى أن البناء الروائي تغير واختلف، وتطور بطريقة تجعله يقف حائلا أحيانا بين النص ومتلقيه، والسبب في هذا أن السرد صار مكتنزا، متعدد الرؤى والدلالات، ما يجعل القارئ يشعر أنه داخل غرفة مغلقة تمتلئ بمرايا لا يعرف خلف أي منها يمكنه أن يعثر على مفتاح فك شفرات النص الروائي.
ومن أجل فك شفرات بنية النص الروائي الحداثي، حدد علوان عددا من العناصر التي تشكل متنه السردي، وهي الشخصيات، والحدث وتداخل الأزمنة، وتعدد الأصوات، وراح المؤلف يتتبع هذه العناصر في روايات “متاهة مريم” للكاتبة المصرية منصورة عز الدين، و”فانيليا” لمواطنها طاهر الشرقاوي، و”الديزل” للمبدع الإماراتي ثاني السويدي، و”كائنات من طرب” للأديبة السعودية أمل الفاران.
تداخل الحياة والموت
ويشير مؤلف الكتاب إلى أن الشخصية المحورية في “متاهة مريم” تظهر متراوحة بين الحياة والموت، تسرد الأحداث ولا تقوم بدور فاعل فيها، تبدو ميتة حتى وهي حية مما يحيل القارئ إلى استقبالها بحيادية، أما في “فانيليا” فلا توجد أسماء لشخصيات، جميعها تتحرك مشارًا لها بضمائر الغائب، أو تحت رموز مثل البنت أو الولد أو الصديقة، وهو ما يؤدي إلى نوع من الالتباس، يصيب القارئ، فلا يعرف كيف يفرق بين الشخصيات ويستعصي عليه بالتالي الدخول إلي عالمها. نفس الشئ يفعله السويدي، حيث يقدم شخصياته أيضا بلا أسماء، لكنه لا ينوع في السرد ولا تتعدد لديه الأصوات بل يعتمد فقط على روا واحد هو البطل، والذي يعطيه أسما حركيا غير حقيقي هو “الديزل”، أما السعودية أمل الفاران فتقدم من خلال حدث بوليسي سبع عشر شخصية متشابهة في أسمائها أو بدون اسم، وتبدأ الساردة بفضح العلاقات الزائفة في المجتمعات المنغلقة.
حدث متشظي وعين مندهشة ومنحازة
أما عن الحدث الروائي، فتقدمه الكاتبة المصرية منال السيد في روايتها “غنا المجازيب” متشظيا ومتداخلا، وذلك من خلال طفلة ترى العالم من حولها بعين مندهشة ومنحازة، ولا يصل معها القارئ إلى حالة من الاكتمال والاحاطة بالحدث إلى في نهاية الرواية.
وفي تحليله لعدد من الروايات المغربية التجريبية أمثال “رفقة السلاح والقمر” للكاتب مبارك ربيع، و”أوراق” لعبد الله العروي، و”زمن بين الولادة والحلم” للروائي أحمد المديني، و”حاجز الثلج” لسعيد علوش، قال علوان إن أهم ما تميزت به هذه الأعمال هو تداخل الأزمنة، حيث يختلط كتابها بين الحاضر والماضي والمستقبل، معتمدين في تطوير حركة السرد على منطق التداعي والأحلام، واسترجاع الوقائع.
تعدد الأصوات.. إثراء السرد
ولفت علوان إلى أن تعدد الأصوات كان من بين التقنيات التي اعتمدها الكاتب بهاء طاهر في روايته “واحة الغروب”، وقد عمد إلى سرد الأحداث على لسان شخصيات الرواية الرئيسيين، محمود وكاثرين، والاسكندر الأكبر والشيخ يحيي والشيخ صابر، وكان هدفه من خلال اعتماد السرد بلسان هذه الشخصيات أن يقدم الحدث بوجهات نظر متعددة، ومن خلال موقع كل منهم، ورؤيته المختلفة العالم عن الآخر. أما الكاتبة نجلاء علام فتبدأ الأحداث في روايتها “نصف عين” على لسان بطلتها “نور”، ثم تتطور بعد ذلك منتقلة بين شخصيات أخرى في النص “ليلى، فايزة، سعيد”، لكن هذه الشخصيات لا تعيد سرد الحكاية من وجهة نظرها، لكنهم يتحدثون عما تركه الحدث على أوراحهم من مشاعر محبطة وانكسارت.
ويستطرد الكاتب في الحديث عن “التلقي واللغة”، وتأثير كل منهما في الأخر، و”التلقي والرمز” وإحالاته المتعينة والزمنية والموضوعية، و”شفاهية التلقي”.
الحداثة والفانتازيا
وفي الباب الثاني يقوم علوان بتحليل ما يزيد على أربعين رواية لعدد من الكتاب المصريين والعرب، كانت أولاها “كما يليق بحفيد” للأديب أحمد قرني، ويرى أنها عمل أدبي ملئ بالرموز والدلالات، أما رواية “قيلولة أحد خريفي” للكاتب المغربي هشام بن الشاوي، فيذكر علوان أنه اعتمد على تعدد وتداخل الأنا السادة، وتقاطعها مع الشخصيات، ولفت إلى أن الشاوي أراد أن يكتب نصا حداثيا بامتياز معتمدا على تقنية هدم البناء التقليدي للسرد، باعتباره أبرز مقومات الحداثة، ما فتح بابا واسعا أمام تدوير الرواية لدى المتلقي والقارئ، الذي يكاد وهو يقرأ العمل يصنع نصًا موازيا وفق مرجعيته وثقافته.
ويصف الكاتب رواية “القرفصاء” للكاتب فؤاد حجازي، بأنها ترصد واقعا كابوسيا بلا أدنى فرجة من أمل، ويبدأ النص على لسان راوٍ يتملكه هاجس أمني يصل إلى حد الهوس، ويجعله في حدث فانتازي مؤلم يذهب لقسم البوليس للإبلاغ عن نفسه، وعلى العكس من رواية حجازي تأتي رواية وحيد الطويلة “ألعاب الهوى” التي يراها علوان نصًا سرديًا ينفتح على الحياة بكل قسوتها وعنفوانها، وفانتازيا جريئة تمتزج فيها الحياة بالموت.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي