كتاب “المسرح الإفريقي المعاصر” .. فنون أدائية قائمة على الحكي والتراث الشفهي
أحمد عبد الحافظ
كيف يقوم كتاب المسرح الأفارقة المعاصرون بأفرقة التقنيات أو المسرحيات الغربية؟ ولماذا يستخدمون لغات متعددة فى النص الواحد؟ وكيف يمكن للمسرح أن يساهم فى التنمية السياسية والاجتماعية في بلدانهم الإفريقية؟ ودور المسرح فى مقاومة الاستعمار، ومدى بروز العناصر الشعبية والتقليدية فى المسرح الإفريقى المعاصر؟
حول هذه الأسئلة وغيرها دارت فصول كتاب “المسرح الأفريقي المعاصر” الذي صدر ضمن مطبوعات هيئة الكتاب المصرية، وقامت مؤلفته الباحثة المصرية الدكتورة أسماء يحيي الطاهر بتحليل بنية المسرحيات الإفريقية المعاصرة التى تنبنى على الفنون الأدائية، وتستمد وتستلهم نصوصها من التراث الإفريقى الشفهى.
قامت المؤلفة ببحث كيف صاغ الكتاب المسرحيين الأفارقة فنونهم الأدائية التقليدية، فى النصوص التي قاموا بتأليفها، وقالت إن الصياغة الدرامية للفنون الأدائية فى المسرح الإفريقى المعاصر، تعتبر إحدى الطرق الأساسية لخلق شكل مسرحى جديد، متجذر بعمق فى التراث الشفهى الإفريقى التقليدى، وهذه الصياغة هي الاساس الذي تنبني عليه هوية المسرح وكينونته الإفريقية، كما سعت لدراسة خصائصه وعناصر تفرده، وبحثت كيفية توظيف كتَّاب المسرح في أطراف القارة المختلفة، فنونهم الأدائية فى أعمالهم الدرامية، وكشف ودراسة الرؤى والمسوغات التي جعلتهم يستخدمون تلك الفنون فى السياق الدرامى.
أقسام الكتاب
وينقسم الكتاب إلى مدخل نظري يتناول الشفهية التى هى المصدر الأساسى للفنون الأدائية الإفريقية، وتصنيف تلك الفنون الأدائية، إضافة إلى تطور المسرح الإفريقى من الدراما الطقسية التقليدية إلى المسرح المعاصر، مرورا بالمسرح الشعبي والمسرح التنموي، وجاء الباب الأول بعنوان “العروض الأدائية الدينية فى المسرح الإفريقى المعاصر”، وقسمته الباحثة إلى فصلين الأول “الصياغة الدرامية للعروض الدينية الإفريقية”، والثانى “المسرحيات الإفريقية الدينية/السياسية الساخرة”، أما الباب الثانى فكان عنوانه “الصياغة الدرامية للفنون السردية فى المسرح الإفريقى المعاصر”، وجاء في أربعة فصول هي “الصياغة الدرامية للملحمة في إفريقيا”، و”الصياغة الدرامية لعروض آنانسى… حكايات المحتال”، و”إعادة سرد الحكايات الشعبية”، و”مسرحيات الشهادة السردية”.
ومن أجل الإجابة على الشق الخاص بـكيف تم استعارة تلك الفنون الأدائية ومواءمتها وتكييفها للسياق المسرحى؛ قامت الباحثة بدراسة وتحليل بنية إحدى عشرة مسرحية تنتمي لمختلف أطراف القارة الأربعة، من غانا ونيجيريا في الغرب، ومصر في الشمال، وكينيا وأوغندا في الشرق، فضلا عن جنوب إفريقيا، وهي مسرحيات ينتمي زمن كتابتها لمرحلة ما بعد الاستعمار، وبالتحديد منذ عام 1970 وحتى عام 2012، وهي الفترة التي لم تعد الفنون الأدائية فيها وسيلة لمقاومة السيطرة الاستعمارية على الثقافة الإفريقية الأصيلة فحسب، بل صارت محض اختيار أيديولوجى حر للكتاب المسرحيين.
وأظهرت العروض والمسرحيات التي اختارتها الباحثة للدراسة أن هناك عناصر في الفنون الأدائية التقليدية لا تزال تحتل اهتمام كتاب المسرح الأفارقة المعاصرين، أولها ما يتعلق بالأمور الدينية، حيث شغل الدين اهتمام كتاب المسرح هناك، وكان الموضوع الأساسي لمسرحيتى “انهض ألبرت” الجنوب أفريقية، وهي تأليف جماعي لكل من بيرسي متوا ومبونجيني نجيما وبارني سيمون، و”طوافة أخرى” تأليف النيجيري “فيمي أوشوفيسان”.
وأشارت المؤلفة، وهي ابنة الأديب المصري الراحل يحيي الطاهر عبد الله، إلى أن المسرحيتين تناولتا أساليب الاستغلال الديني من قبل السياسيين والقادة لتبرير الفساد والاستغلال، كما تحدثتا، في الوقت نفسه، عن إمكانية استخدام الدين بشكل يخدم مصالح الشعب، وعلى النقيض من ذلك جاءت مسرحيته “الماضي المطارد” الكينية والتي تم تقديمها عام 1973، وتناولت الصراع بين التقاليد والحداثة فى إفريقيا، وفيها يرفض مؤلفها كينيث واتيني الأنشطة الدينية والتقليدية تمامًا، ويصور التراث على هيئة “شخص خرف” يطارد ويستحوذ على روح الشباب الساعي للحرية، وفى مسرحية “ناس النهر” المصرية يظهر كاتبها حازم شحاتة تداخل الأنظمة العقائدية فى النوبة، ويحاول إيجاد رؤية متوازنة عن النظام العقائدى هناك، يحترم الأسطورة، ويعمل على مراجعتها في الوقت نفسه، وقد شكلت الطقوس والأضحية والمراسم والمس الشيطاني والأنشطة الدينية جزءًا مهما من تلك المسرحيات.
وأشارت الكاتبة إلى القضايا السياسية التي تعرضت لها بعض المسرحيات، وذكرت أن مسرحية “انهض ألبرت” التي تم عرضها على مسرح السوق في العاصمة الجنوب أفريقية جوهانسبرج عام 1980، تنتمي إلى ما يعرف بحركة “مسرح الاحتجاج”، وتهدف إلى رفض الممارسات التي يقوم بها المستعمرون البيض ضد أهل البلاد، وتعد المسرحية نمطًا من أنماط الشهادة على زمن التمييز العنصري فى نصف القرن العشرين الأخير.
وذكرت الباحثة أن مسرحية “طوافة أخرى” التي كتبها وأخرجها عام 1988 المؤلف النيجيرى “فيمى أوشوفيسان” تناولت فساد الساسة ورجال الدين واستغلال الرأسماليين تحت الحكم العسكري بعد التحرر من الاستعمار، أما حازم شحاتة مؤلف عرض “ناس النهر” فلفت النظر إلى أن جزءا من توجه النوبيين للتشبث بالأسطورة ورفض الحل الحكومى سببه تجاهل السلطة السياسية المصرية لاحتياجات المنطقة وخصوصيتها، أما مسرحية “آنوا” التي كتبتها الغينية “آما آتا آيدوو” فتتعرض للاستغلال السياسى من قبل الأوربيين للأفارقة والعقلية الاستغلالية التي امتدت للأثرياء السود الذين لم يمانعوا فى اتخاذ أبناء بلادهم كعبيد للرجل الأبيض.
وفي مسرحية “زواج آنانسيوا” تفضح المؤلفة الغانية “إيفوا ساثذرلاند” السلوك الاجتماعى في عادات الزواج، وما يقع من حالات خداع ومرواغة، ويتمحور الموضوع الأساسى لمسرحية “الماضي المطارد” حول العلاقة المتوترة بين كبار السن والشباب وسلطة الكبار على الصغار؛ ويدين المؤلف تلك السلطة. وفى مسرحية “آنوا” تتخطى البطلة تلك التراتبية الاجتماعية وتمنح نفسها الحق فى اختيار من تتزوجه دون موافقة الأهل وكبار العائلة، أما بطلة عرض “غير المسموح” فتسعى للحصول على مباركة والديها لقراراتها الأساسية، كذلك تعيش بطلة “وا إفريقيا” صراعا بين هويتها الجنسية التى هى ضد التقاليد وبين احترامها لذلك التراتب الاجتماعى المتمثل فى احترامها للأب وتبجيلها للأسلاف.
وذكرت الباحثة أن المسرح الأفريقي يستخدم تقنيات وعناصر مستمدة من الفنون الأدائية مثل الحكى، وقد بدأت بعض المسرحيات بشخصية الراوي التي تقوم بالسرد مباشرة أو تنبه الجمهور بأنه على وشك الاستماع لحكاية، وهناك مسرحيات بدأت عروضها بتهيئته، ولفت نظره أنه على وشك مشاهدة قطعة سردية، وكان ذلك إما بأغنية مديح وبعض من مربعات السيرة الهلالية، أو برقصة رمزية يتخللها تقديم الممثلين للجمهور على أنهم رواة القصة، كما لاحظت المؤلفة أن الراوي يتأرجح في المسرحيات الأفريقية بين كونه راويًا وكونه شخصية مسرحية، وهى حيلة ضمن محاولة صياغة الحكى بشكل درامي، كما استخدمت بعض المسرحيات تقنية السرد، واعتمد المؤلفون في بناء بعضها على الحكايات الشعبية، والملاحم.
وأشارت الباحثة إلى أن بعض المؤلفين لجأوا إلى الطقوس الإفريقية التقليدية لإثراء موضوعات مسرحياتهم، واستخدم بعضهم طقس إعادة البعث المأخوذ عن المسيحية والأضحية، ومراسم الزواج النوبى، والصلوات القبطية والمصرية القديمة والختان التقليدى وتبجيل الأسلاف، والرقص والتطهير والرقصات المستوحاة من بعض الأنشطة التقليدية كالصيد والحرب. والوساطة مع أرواح الأسلاف وطقس الخروج والجنازة.
كما استخدمت المسرحيون الافارقة السخرية كوسيلة أدائية فى عروض المسرح الشعبى، واستفادوا من فن الإيماء أو المايم وهو أحد أشكال الأداء فى المسرح الشعبى، وفى العروض الأدائية الإفريقية؛ سواء أكانت دينية أو سردية؛ ذابت المسافات التي تفصل بين الجمهور ومنطقة العرض، واعتمدت بعض العروض الإفريقية على فضاء فارغ، وقد ظهرت خشبة المسرح فى مسرحية “انهض ألبرت” فارغة تقريبا إلا من صندوقين خشبيين، كذلك تضمن أول وصف للمنظر فى مسرحية “طوافة أخرى” خشبة مسرح فارغة، ودعا الرواة الجمهور إلى تخيل أنه يرى النهر وأن سجادتين تمثلان الطوافة، وفى “زواج آنانسيوا” بدت خشبة المسرح فارغة فيما عدا من منضدة صغيرة ومقعد، وكذلك خشبة مسرح “سيزوى بانسى… مات” وظهرت أيضا خالية إلا من مقعد ومنضدة ولوحة عرض للصور، وقد قدم المؤلفون مسرحيات متعددة الوسائط، تضمنت فنونًا أدائية متعددة،تنوعت بين الحكي والرقص والغناء والإيقاعات.
ولفتت المؤلفة إلى أن مشاركة الجمهور، كانت عنصرا هاما تميزت به العروض الإفريقية، وتنوعت بين التعليق أو التصفيق أو الغناء أو الرقص أو الوصول لحالة من النشوة، واستخدم الكتاب الفنون الأدائية في مسرحياتهم كوسيلة مقاومة ترفض الهيمنة الاستعمارية على الثقافة الإفريقية والتمييز العنصرى الذى يضع الأبيض وثقافته وفنونه فى مقام اجتماعى أعلى من السود وثقافته وفنونه، كما استخدموها لفتح نقاش حول العادات والتقاليد التى تتضمنها تلك الفنون، وخاصة الفنون السردية. وتكون المسرحية بهذا المعنى أشبه بمنتدى أو حلقة نقاشية يناقش المشاركون فيها سواء كانوا ممثلين أو جمهورًا التقاليد الاجتماعية من خلال الفنون الأدائية.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي