إبداعات عربيةعاجل

كتاب “يعقوب صنوع رائد المسرح المصري” … عالمه الفكري وروافده الشعبية والغربية

 

أحمد عبد الحافظ

في كتاب “يعقوب صنوع رائد المسرح المصري ومسرحياته المجهولة” الذي صدر حديثا في طبعة خاصة عن هيئة قصور الثقافة المصرية سعت مؤلفته الباحثة الدكتورة نجوى عانوس إلى تقديم قراءة جديدة في مسرح صنوع الذي أطلق عليه الخديو إسماعيل موليير مصر، واستخدمت المنهج الابستمولوجي، من أجل دراسة ونقد المبادئ والفروض التي درات حول مسرحه، سواء كانت معه أو ضده، وقد استعانت في رحلتها لإنجاز ذلك بالدوريات التي صدرت بين عامي “1870- 1872” وهي “وادي النيل والجوائب وإيجيبت”، وقامت بعدة رحلات من أجل اقتفاء أثر صنوع وأعماله، كانت الأولى إلى باريس عام 1977، وهناك التقت بحفيدة صنوع وحصلت منها على مذكراته، التي كتبها باللغة الفرنسية، وكانت تحت عنوان “حياتي شعرا ومسرحي نثرا” وفي المرة الثانية اتجهت عانوس إلى بيروت للقاء المؤرخ المسرحي محمد يوسف نجم من أجل الوقوف على الكثير من أسرار صنوع ومسرحه، أما الثالثة فكانت إلى تركيا لزيارة مكتبة أتارتورك بتكسيم، وحصلت من هناك على صحيفة “الجوائب” التي أنشأها أحمد فارس الشدياق التي دحضت عانوس من خلالها، وبالأخبار والمتابعات التي نشرت فيها، المغالطات والمزاعم التي أثيرت حول مسرحه، وأنكرت ريادته.

أقسام الكتاب

وقسمت عانوس الكتاب إلى قسمين، أهتمت في الأول بدراسة مكونات عالم صنوع الفكري وأثره في مؤلفاته، وأكدت على دوره في تأسيس المسرح المصري، وذكرت أنه كان رائدا من رواد التنوير، وكتب جنسا أدبيًا جديدًا لم يعرف الفن المسرحي من قبل هو “المسرحيات الصحفية المصورة” التي سماها “اللعبات التياترية”، ونشرها في صحيفته “أبو نضارة”، ورسم من خلالها تاريخ مصر بصور ساخرة كاريكاتورية تؤكد ولاءه لها، وقسمها إلى ثلاثة أنواع كانت الأولى “المسرحيات الصحفية”، أما الثانية فظهرت في صورة “دراما صحفية”، والثالثة هي “محاورات ونوادر كتبها أولاد مصر”، والأخيرة حولها إلى مسرحيات عن طريق استنطاق الصور، التي تصور رؤيته الإخراجية، وتضيف الصور إلى الكلمات، وقد تأثر وهو يصوغها بالتراث الشعبي المصري، وثقافته الغربية، والدينية، وهو ما بدا واضحا في الدراما الصحفية “القراداتي”، و”حكم قراقوش”، و”الولد المرق وأبو شادوف الحدق”.

الدكتورة نجوى عانوس
الدكتورة نجوى عانوس

صنوع يدافع عن المصريين في مسرحياته 

أشارت الباحثة إلى أن صنوع دافع في مسرحياته عن المصريين ودعا لأن يسود العدل بينهم، وسخر من فساد القصر، ورجالات زمانه، وأخذ على عاتقه فضح مظاهر التخلف، ومقاومة الظلم، واختتم معظم مسرحياته بنهايات ثورية، تمثلت برفض ممارسات الحاكم المتعسفة ضد الناس، وقد أدى ذلك إلى إغلاق مسرحه. وقد ذكر هو نفسه أن من أسباب الإغلاق مناداته بالحرية والعدالة في مسرحية “الوطن والحرية”، ودعوته في بعض الروايات إلى “أنه لا ينبغي على حضرات ذوات مصر أن يعاملوا الفلاحين بقسوة، وأن يسعوا في حرية وتقدم المصريين”، وحديثه في مسرحية “موليير” عن مصر وما تقاسيه. ولفتت عانوس إلى ما جاء في مجلة “أبو نظارة” التي كان يقوم بتحريرها يعقوب صنوع، وما كتبه هو نفسه من أن علي مبارك هو الذي سعى وراء قرار الإغلاق بسبب الغيرة منه، حيث قال في العدد الأول في عام 1880 “فلما أنشأت التياترو العربي، الناظر المكَّار على باشا مبارك، مني غار، خصوصا عندما أمره أفندينا يزيدني المهية، حالًا أمر برفتي من المدارس الملكية”.
وأشارت الباحثة إلى أن صنوع كان يعكس في مسرحياته الصحفية المصورة تصوراته للشخصية اليهودية المحبة للمال، والمتظاهرة بالبراءة من أجل عقد الصفقات على حساب الدول المدينة، وذلك ما يمكن الخروج به من مسرحية “سلطان الكنوز”، التي يشير فيها إلى الهيمنة والسلطة والثراء الفاحش، أما المكان في المسرحية فقد أعطى له صنوع اسما وهميا، وهو مدينة “زيراب” في بلاد الغرب، وقد أعطى شخصياته أسماء رمزية فرشيد سلطان الكنوز هو روتشيلد أو أحد أبناء عائلته، وهي عائلة يهودية ألمانية ثرية جدا، كانت تقرض الدول بالأموال بهدف الهيمنة عليها، وعلى سياساتها وقراراتها، أما خازندار الدولة فأعطاه أسم فانوس، لأنه يضئ لروتشيلد الطريق ويساعده في التخطيط لصفقاته، ووضع شروط كل منها، أما الخديو إسماعيل فيطلق عليه اسم فرعون، وهو اسم يحمل دلالة قاسية في ذاكرة عامة المصريين، وكان من نصيب ولسن ناظر المالية الانجليزي الكثير من السخرية، إذ أطلق عليه اسم الثرثار، الذي لا يجيد إلا الكلام وقد جعله بطبيعة الحال تابعا للمليونير اليهودي، أما عن الإخراج والملابس والديكور فكانت معبرة عن ذلك الثراء وتلك الهيمنة، حيث يظهر رشيد داخل قصر فخيم ويجلس على كرسي مذهب، فوقه صورة الدرع الأحمر الذي يرمز لعائلة روتشيلد.
وفي هذه المسرحية يتضح تأثر صنوع بمسرحية “البخيل” للكاتب المسرحي الفرنسي موليير، وقد استفاد منها صنوع في صياغة مشهد مناجاة فانوس للمال، وحديثه عن عشقه للذهب.
ولم تتوقف الباحثة بتحليلاتها عند مسرحية “سلطان الكنوز”، بل تجاوزتها إلى مسرحيات كثيرة منها “عصبة الأنجال على الوزير الدجال”، و”الجهادي” و”ستي وحيدة أم نضارة بيضا” ولعبة “ياللا بينا على السودان”.
وفي الختام أوردت عانوس نصوصا قامت بتحقيقها لثلاثين نص مسرحي من أعمال يعقوب صنوع، وضعتها في قسم خاص، احتل الجزء الأكبر من الكتاب وجاء تحت عنوان “مسرحيات مجهولة لجيمس سانووا” وهو الاسم الذي اشتهر به بين أصدقائه.

 

 

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى