هآرتس : أوامر الاعتقال الصادرة من لاهاي هي إخفاق تاريخي للحكومة الإسرائيلية
قالت صحيفة “هآرتس ” العبرية في مقال للكاتب دانا وولف أن قرار أمر اعتقال جنائي بحق رئيس وزراء دولة ديمقراطية يُعد أمراً غير مسبوق بكل المقاييس. هذا التطور يعكس فقدان المجتمع الدولي الثقة بالديمقراطية الإسرائيلية
وإلي نص المقال ..
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم مزعومة تتعلق بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، خلال حرب غزة، وتشمل تلك الجرائم التجويع، والقتل، والاضطهاد، وأعمالاً غير إنسانية أُخرى. أيضاً وجدت المحكمة أساساً معقولاً للاعتقاد أن نتنياهو وغالانت يتحملان مسؤولية جنائية، كونهما قائدَين مدنيَّين، عن توجيه هجمات ضد السكان المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، ورد في التقرير أن هناك أدلة على أن نتنياهو وغالانت قاما بمنع المساعدات الإنسانية عن السكان المدنيين في غزة. وكان من المقرر أن تُصدر المحكمة أيضاً أوامر اعتقال بحق قادة “حماس” يحيى السنوار، وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف، لكن الثلاثة قُتلوا، في حين بقيَ أمر اعتقال محمد الضيف قائماً.
إن إصدار أمر اعتقال جنائي بحق رئيس وزراء دولة ديمقراطية يُعد أمراً غير مسبوق بكل المقاييس. وحتى الآن، كان مثل هذه الأوامر يصدر ضد قادة، مثل فلاديمير بوتين، وعمر البشير، ومعمر القذافي. هذا التطور يعكس فقدان المجتمع الدولي الثقة بالديمقراطية الإسرائيلية، وبقدرتها، أو رغبتها في التحقيق مع نفسها، مثلما فعلت في الماضي. هذا الإخفاق كان يمكن تفاديه لو جرى تشكيل لجنة تحقيق حكومية مستقلة وغير خاضعة للتأثير السياسي.
النتيجة المباشرة لهذه الأوامر هي أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق لن يتمكنا من زيارة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية من دون المخاطرة بالاعتقال والمثول أمام القضاء. وهذا يمثل ضرراً سياسياً فورياً، ولا سيما مع دول أوروبا، وكندا، وأفريقيا، وأميركا الجنوبية. كذلك، أعلنت فرنسا وهولندا أنهما ستتعاونان مع أوامر الاعتقال، في حين أفادت الأرجنتين والمجر بأنهما لن تعترفا بالقرار، بينما لم تُصدر بريطانيا موقفاً واضحاً.
هناك أيضاً مخاوف من فرض حظر على الأسلحة، أو تقييد إمداداتها، خشية التواطؤ مع “جرائم حرب”. وهذا يمثل ضرراً خطِراً إضافياً بصورة “دولة إسرائيل”، التي تتآكل بالتدريج، الأمر الذي قد يزيد في عزلتها. وعلاوةً على ذلك، تزيد هذه الأوامر في الأخطار القضائية التي تهدد جنود الجيش الإسرائيلي، سواء في الخدمة النظامية، أو الاحتياط. وأيضاً تشجع الدول على اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم، وهو ما يعرّضهم لخطر أوامر اعتقال مستقبلية.
قد يختار دونالد ترامب، في حال دخوله البيت الأبيض، اتخاذ إجراءات ضد المحكمة الجنائية الدولية. في الماضي، عندما قررت المدعية العامة السابقة للمحكمة التحقيق في مزاعم جرائم حرب ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان، فرض ترامب عقوبات على مسؤولي المحكمة، بمن فيهم المدعية العامة. ومع ذلك، قد يفضل ترامب عدم التدخل إذا كان يخطط لتوسيع “صفقة القرن” لتشمل السعودية. إذ قد يكون عليه تقديم تنازلات في الساحة الفلسطينية، وهو ما قد يجعل هذه الأوامر تشكل عقبة أمام تحقيق ذلك.
ستبقى هذه الوصمة التاريخية الناتجة من إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء دولة ديمقراطية. وستستغرق معالجة هذا الضرر وقتاً طويلاً. وبغياب رؤية واضحة بشأن ما بعد الحرب في غزة، وحديث إسرائيل عن رؤية للسيطرة والاستيطان في القطاع وضم الضفة الغربية، يبدو من الصعب إصلاح هذا الخلل في الوقت الراهن.
هذا الإخفاق التاريخي مسجل باسم الحكومة، التي بدلاً من أن تتصرف بحكمة وتعزيز سردية هجمات 7 أكتوبر لمصلحة الضحايا والمجتمع الإسرائيلي، انغمست في السياسة الصغيرة والتهرب من المسؤولية. لقد خاض الشعب الإسرائيلي هذه الحرب دفاعاً عن نفسه ضد تنظيم “إرهابي”. لكنه يدفع أيضاً ثمن الإدارة الفاشلة اليوم.